التنمر: كيف نحمي جيل “رودينا” من هذه الظاهرة
- ريم الشيخ
- بي بي سي نيوز عربي
لم يتحمل قلب الطالبة رودينا أسامة سماع عبارات مؤذية بحقها، فـ “إنت مستحملة شكلك كده إزاي” كانت كفيلة بقتل ابنة الستة عشر عاماً.
وبحسب أقوال العائلة، فقد اشتكت رودينا لإدارة مدرستها مراتٍ عديدة من استمرار تعرضها للتنمر من قبل زميلاتها، لكنّ الإدارة لم تُلقِ بالاً لهذه الشكاوى، كما تقول العائلة.
كانت آخر كلمات رودينا قبل أن تصاب بهبوط حاد في الدورة الدموية سُؤالها لشقيقتها “هو أنا وحشة فعلا”، لتسقط بعدها مغشياً عليها وتفارق الحياة قهراً.
“رودينا ليست حالة فردية”
قبل نحو عام وفي إحدى القرى المصرية، قرر طالب الثانوية العامة “أدهم جميل سكر” وضع حد لحياته بعدما تعرض لتنمر من زملائه بسبب ضعف بصره.
وتروي دكتورة علم النفس آلاء مراد لـ بي بي سي قصة إحدى الطالبات السوريات المجتهدات التي عانت من التهجير واليُتم، ليُضاف التنمر المدرسي إلى قائمة مآسيها، فجملة “يا ناصحة، يا بياعة الخبز” كانت كفيلة أن تُدخل فكرة الانتحار في رأس الفتاة.
وفي عام 2017 كان الطفل الأمريكي جابريل تاي ذو الثمانية أعوام حديث رواد مواقع التواصل الاجتماعي، تاي ظل لعام على الأقل يتعرض للتنمر الشديد فى مدرسته، باللكم والضرب والسخرية على نحو متكرر، فأنهى حياته شنقاً.
هذا وتُعرّف اليونسيف التنمر باعتباره أحد أشكال العنف الذي يمارسه طفل أو مجموعة من الأطفال ضد طفل أخر أو إزعاجه بطريقة متعمدة ومتكررة، وقد يأخذ التنمر أشكالًا متعددة كنشر الإشاعات، أو التهديد، أو مهاجمة الطفل المُتنمَّر عليه بدنيًا أو لفظيًا، أو عزل طفلٍ ما بقصد الإيذاء أو حركات وأفعال أخرى تحدث بشكل غير ملحوظ.
وبحسب إحصائية أجرتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو عام 2019 في 144 دولة وإقليم حول العالم فإن 250 مليون طفل حول العالم يتعرضون للتسلط في المدارس، ما يؤثر على صحتهم العقلية ومستوى تحصيلهم الدراسي.
رودينا وأدهم وجابريل تاي وغيرهم ممن تعرضوا للتنمر ينتمون لجيل “Z”، الذي تثير ردود فعله تُجاه التنمر تساؤلاتٍ عن قدرة تحمل وصلابة نفسيات أبناء هذا الجيل.
من هم جيل Z ؟
هم المواليد من عام 1997 فصاعداً، بحسب تقرير نشره مركز بيو للأبحاث (Pew Research Centre) .
وجيل Z وُلِد خلال فترة نمو رقمي سريع جداً، وشكّل التواصل الرقمي المتقدم والتعامل مع الكم الهائل والسريع من المعلومات لبنةً أساسية في تكوين وصقل شخصياتهم ونفسياتهم إلى حد كبير، بحسب منصة “هارفارد بزنس ريفيو” Harvard Business Review.
مراهقو وشباب اليوم ممن ينتمون إلى هذا الجيل بارعون بالفطرة باستخدام التكنولوجيا; فهم لم يذوقوا طعم الحياة بدون الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي أو الأجهزة الرقمية كجيل الألفية Millennials (1981-1996).
هل الجيل “Z” أكثر تأثراً بالتنمر؟
يقول الباحث في علم النفس الاجتماعي مؤمن النونو: “إن وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دوراً بارزاً في تشكيل الهوية النفسية والاجتماعية للجيل “Z”، إذ يمتلك هذا الجيل سمات نفسية كحب الظهور والشهرة وقلة الصبر، إضافة إلى قلة القدرة على التركيز لفترات طويلة، كما أنهم يرغبون بشكلٍ دائمٍ في متابعة كل ما يحدث في مواقع التواصل الاجتماعي”.
ويضيف النونو أن هذه السمات تقود إلى “الهشاشة النفسية” عبر التسبب بارتفاع معدلات التوتر والقلق لدى جيل “Z”، وتراجع قدرته على التعبير والحوار وميله إلى بناء العلاقات السطحية أو قصيرة المدى.
وبالتمعن في هذه السمات والأعراض التي يتعرض لها أبناء هذا الجيل اليوم كضريبةٍ للتطور الهائل الذي يعيشونه، يمكن أن يساعدنا ذلك في الاقتراب من هذا الجيل الذي يبدو أكثر حساسية من الأجيال السابقة، وفهم كيفية حمايته من أعراض التنمر وتبعاته النفسية، والذي قد يودي بهم في بعض الحالات إلى أمراض نفسية أو عضوية أو إلى الوفاة في بعض الحالات الشديدة والمتكررة.
كيف نواجه التنمر؟
أصبح من الضروري اليوم التعامل مع ظاهرة التنمر دون الاعتماد فقط إلى التوعية عبر وسائل الإعلام والمناهج التربوية، باعتبار أن سرعة انتشار ظاهرة التنمر قد تسبق محاولات التوعية بمخاطرها المجتمعية الكبيرة، من هنا يقول الباحث في علم النفس الاجتماعي مؤمن النونو إنه يجب تدريب الأطفال والمراهقين على ما يسمى بـ “الصمود النفسي” بالخطوات التالية:
- عدم مبالغة الأهل في حماية أبنائهم بشكل زائد عن الحاجة ومنحهم الفرص لدخول وتجربة معترك الحياة.
- أهمية وجود بيئة اجتماعية إيجابية داعمة للطفل أو المراهق في حال تعرض للتنمر.
- تنمية مهارات التواصل الفعّال والقدرة على التعبير عن النفس وعدم الصمت على أي اعتداء بشكل مناسب وصحيح.
- الاهتمام بالتنمية القيمية وزرع المبادئ والمثل العليا بهدف دعم وتشكيل شخصية الأبناء بشكل أكثر استقراراً.
قد يكون من المناسب أحياناً تطويع مواقف التنمر، وجعلها فرصة لفهم الذات وزيادة القوة النفسية، فقليل من التنمر إن تم تطويعه قد يحقق المبدأ القائل: “الضربة التي لا تقتلني تجعلني أقوى”.
ومع انتشار ظاهرة التنمر، بدأت بعض الدول فى سنّ قوانين وتشريعات لمواجهتها، ففي عام 2020 سنّت مصر قوانين تُعاقب المتنمر بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وبغرامة قد تصل إلى نحو 1000 دولار أمريكي، أو بإحدى هاتين العقوبتين.