التغير المناخي: إقليم كتالونيا يعاني من أسوأ موجة جفاف منذ عقود
- غي هيجكو
- بي بي سي نيوز، إسبانيا
يجتهد العمال بقورابهم الصغيرة في جرف الأسماك من الخزان المائي في منطقة ساو، بهدف إخراج الأسماك قبل أن تموت هناك وتلوث المياه وتجعلها غير صالحة للاستهلاك البشري.
فقد انخفض منسوب المياه إلى مستويات متدنية جدا، وصلت إلى 10 في المئة من طاقة استيعاب الخزان، وهو ما يجعلها معرضة للتوحل.
وبعد جرف الأسماك، تعتزم السلطات تحويل مياه خزان ساو إلى خزان آخر.
ويقول مدير الوكالة الكتالونية للمياه، ساموييل رييس: “نسعى إلى تحويل المياه بأسرع وقت ممكن، لأن النوعية في الشتاء مقبولة، أما في الربيع فستصبح سيئة جدا. ونسعى أيضا إلى جرف كل الأسماك الموجودة في الخزان”.
ويقع خزان ساو على بُعد 100 كيلومتر من البحر في برشلونة. ويزود المدينة وبلدات أخرى في الشمال الشرقي من إقليم كتالونيا منذ نصف قرن. لكنه أصبح في الأشهر الأخيرة مؤشرا صارخا على أسوأ جفاف شهدته المنطقة في تاريخها.
والدليل على ذلك هو ظهور كنيسة سانت روما دي ساو المشهورة، التي تعود إلى القرن الحادي عشر الميلادي، وكانت قد غمرتها مياه الخزان عندما بني في عام 1962.
ففي زمن الأمطار الوفيرة، كانت البناية الواقعة في الخزان مختفية تحت سطح الماء، أما اليوم فهي مرتفعة عنه بعدة أمتار، وحولها بقع من اليابسة.
ذلك لأن هذه المنطقة من كتالونيا لم تسقط فيها أمطار متواصلة منذ عامين ونصف العام. ففي مطلع مارس/أذار انخفض منسوب مياه الخزان إلى 8 في المئة من طاقة استيعابه، وكان في العام السابق ممتلئا بنسبة 55 في المئة.
ويقول أغستين تورنت، البالغ من العمر 70 عاما، وعاش في المنطقة طوال حياته، عن الخزان: “لم أره أبدا فارغا إلى هذه الدرجة. تشعر بالحزن عندما تكون قد رأيت الخزان ممتلئا من قبل. لكن هذه هي الحال. إنه تغير المناخ، وكل من يشكك في ذلك، لا أدري ماذا يمكن أن أقول له”.
وإذا كانت الأوضاع في كتالونيا مقلقة، فإن أغلب مناطق البلاد يواجه صعوبات أيضا، خاصة في الجنوب والشرق. ففي منتصف مارس/أذار، وصل منسوب المياه في خزانات حوض الوادي الكبير في الأندلس إلى 26 في المئة من طاقة استيعابها، أي بدرجة أقل من داخل كتالونيا.
ووصل منسوب المياه في خزانات حوض سيغورا بالجنوب الشرقي إلى 36 في في المئة من طاقة استيعابها، مقارنة بمعدل 83 في المئة في الشمال الغربي من البلاد.
وأعلنت وكالة الأرصاد الجوية الإسبانية في مارس/أذار أن البلاد برمتها “مستمرة في حالة جفاف بدأت العام الماضي”.
ولا تعزا كل حالات الجفاف إلى تغير المناخ، لكن ارتفاع درجات الحرارة في الغلاف الجوي ينزع المزيد من الرطوبة عن الأرض، فيجعل الجفاف أسوأ.
وحذر العالم من ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 1.1 درجة مئوية منذ بداية عصر الصناعة، ويتوقع أن تستمر درجات الحرارة في الارتفاع، ما لم يتم خفض كبير في إنبعاث الغازات.
وتواجه مناطق أوروبية مثل كتالونيا الواقعة على البحر الأبيض المتوسط مخاطر الجفاف بشكل حاد، حسب ميغال مانزاناريس، خبير الأرصاد الجوية الذي يدرس أحوال الطقس القاسية في القارة الأوروبية.
ويقول إن منطقة البحر الأبيض المتوسط هي الأكثر عرضة لمخاطر تغير المناخ، مشيرا إلى بلدان مثل فرنسا، وإيطاليا واليونان، ودول البلقان، “فالبحر الأبيض المتوسط، بحر مغلق، له محيطه الجوي الخاص”.
لكن هناك عوامل أخرى تفاقم ظروف الجفاف. وفي حالة كتالونيا، يرى مانزاناريس أن الأمر يتعلق أيضا بعدد سكان برشلونة والمدن المجاورة لها، والذي ارتفع إلى 5.5 ملايين نسمة.
وفرضت الحكومة المحلية قيودا جديدة على استعمال المياه في المنطقة فيما يتعلق بغسل السيارات وسقي الحدائق، كما خفضت استعمال المياه في القطاع الصناعي بنسبة 15 في المئة.
ومن بين العوامل الأخرى الاستعمال الواسع للمياه في الزراعة، إذ يبلغ نسبة 80 في المئة فقررت الحكومة المحلية تخفيضه بنسبة 40 في المئة.
ولكن القيود الجديدة تزيد من مصاعب المزارعين في منطقة برشلونة، على غرار، أغسطين غارسيا سيغوفا، رئيس جمعية المزارعين، الذين يعانون أصلا من ندرة الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق.
ويقول: “إذا منعنا من زراعة ما نستطيع من الغلال، فالإنتاج سيكون قليلا، وستكون ندرة في الغذاء”. “وستكون الندرة في إسبانيا وفي الخارج، وسينعكس ذلك على الأسعار”.
وتؤكد السلطات الكتالونية أنها لا تعتزم فرض المزيد من القيود على المدى القصير. ولكن بحلول الصيف، وارتفاع درجة الحرارة، سيزيد الضغط على الموارد المائية بسبب متطلبات موسم السياحة. وتعترف الحكومة أنها تستعد لأسوأ الظروف.
ويقول سامويل رييس، من الوكالة الكتالونية للمياه: “الحالة خطيرة جدا. فهذا الجفاف في كتالونيا شبيه بالماراثون، فالأسوأ هو أننا حالة تأهب ليس منذ عامين، وإنما منذ ثلاثة أو أربعة أعوام”.