البيت الإبراهيمي: فتوى سعودية قديمة تؤجج الجدل حول افتتاحه، فما حقيقة ما أشيع عنها عبر مواقع التواصل؟
اندلعت عاصفة من الجدل عبر مواقع التواصل في عدة دول عربية بعد انتشار فتوى أصدرتها اللجنة الدائمة للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالسعودية.
وتتعلق الفتوى بقضية “توحيد الديانات” وبفكرة إنشاء “بيت العائلة الإبراهيمية” الذي دشنته الإمارات مؤخراً.
فماذا تقول تلك الفتوى؟ ومتى صدرت؟ وما حقيقة ما أشيع عنها عبر مواقع التواصل؟ وكيف جاءت ردود وتعليقات المغردين حولها؟
ماذا تفاصيل الفتوى؟ وهل هي جديدة أم قديمة؟
الجهة المصدرة: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وتتبع “الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء” السعودية، ومن مهامها “إحالة المواضيع العامة إلى هيئة كبار العلماء لدراستها”.
موضوعها: جاءت الفتوى “ردا على تساؤلات وردت للجنة وما نشر في وسائل الإعلام من آراء ومقالات بشأن الدعوة إلى “وحدة الأديان” … وما تفرع عن ذلك من دعوة إلى بناء مسجد وكنيسة ومعبد في محيط واحد …”.
موقفها من فكرة “بيت العائلة الإبراهيمية”: جاءت الفتوى في مجملها منتقدة ورافضة لأي إشارة إلى “وحدة الأديان”، وتضمنت عشرة قرارات. وجاء في نص القرار التاسع “3 – كما لا يجوز لمسلم الاستجابة لدعوة: (بناء مسجد وكنيسة ومعبد) في مجمع واحد …”.
رقمها وتاريخ صدورها: الفتوى التي تحمل رقم “19402“، وخلافا لما أشيع عبر مواقع التواصل ليست جديدة. إذ صدرت بتاريخ 25 محرم عام 1418 هجري وهو ما يوافق 31 من مايو أيار عام 1997 ميلادي. أي أنها صدرت قبل نحو 26 عاما.
اللجنة التي أصدرت هذه الفتوى: لم ينتبه كثيرون أيضا إلى أن رئيس اللجنة المصدرة للفتوى هو الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الذي كان يشغل وقتها منصب مفتي عام المملكة العربية السعودية، والذي توفي في مايو أيار عام 1999 وهو ما يؤكد أن الفتوى قديمة.
لماذا أشاع مغردون أنها فتوى جديدة: سعى كثير من المغردين الرافضين لفكرة “البيت الإبراهيمي” لإيجاد فتاوى تدعم موقفهم، لكن عند إعادة نشرهم روابط لنص الفتوى، لم ينتبه كثير منهم إلى تاريخ صدورها. ووقع في ذات الخطأ كثير من المواقع الإخبارية. كما أن الموقع الرسمي للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء لم يضمن تاريخ صدورها الأصلي، بينما يعرض في ذات الوقت تاريخ اليوم بالتقويم الهجري، وهو ما فسره البعض خطأ على أنها فتوى جديدة.
جدل متفاقم عبر مواقع التواصل الاجتماعي
انقسمت ردود الفعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتباينت بين من رحب بفكرة “توحيد الأديان في مكان واحد” وأنها “مظهر من مظاهر التسامح بين الأديان”، في حين شن آخرون هجوماً لاذعاً على الفكرة مستشهدين بآراء “تحرم” فكرة التوحيد بين الأديان.
واستدل كثير من المغردين السعوديين المنتقدين لفكرة إنشاء البيت الإبراهيمي وتوحيد الأديان بتصريحات هيئة كبار العلماء المسلمين وقت رئاسة الشيخ بن باز قبل وفاته بأنه “لا يجوز لمسلم الاستجابة لدعوة بناء مسجد وكنيسة ومعبد”، وهي الفتوى القديمة التي اعتقد البعض أنها جديدة.
بعض المغردين رأوا أن فكرة إنشاء البيت الإبراهيمي وتوحيد الأديان “في ظاهرها نفع وفي باطنها ضرر”.
وقد ساهم سوء الفهم حول تاريخ إصدار الفتوى إلى تفسيرات سياسية خاطئة، مثل كونها “مؤشرا واضحاً على خلافات إماراتية سعودية على المرجعية الدينية”.
مغردون: البيت الإبراهيمي رمز للتسامح
ومن جهة أخرى، دافع فريق أخر من المغردين عن إنشاء البيت الإبراهيمي، وعللوا ذلك “بقدم الفتوى التي استند إليها المعارضون، وأنها لا تصلح لكل زمان ومكان، كما هو الحال مع فتوى تحريم قيادة المرأة للسيارة”.
بعض المغردين لم يعترضوا على إنشاء البيت الإبراهيمي، لكنهم لم يوافقوا على تعبير “توحيد الأديان”.
بينما أشار مغردون إلى “أن الغرب يكفل حرية المعتقد والعبادة لكل إنسان وهذا ما فعلته الإمارات” وتعجبوا من ردود الفعل السلبية إزاء إنشاء البيت الإبراهيمي”.
ردود من إماراتيين
ومن جهتهم، دافع مسؤولون وأكاديميون وإعلاميون إماراتيون عن فكرة إنشاء “البيت الابراهيمي”، وأكدوا أنها “تدعو إلى التعايش والتسامح بين الأديان ولا تمس بأي صلة بفكرة التوحيد بالله” وأن “من يسير على نهج التحريم متشدد”.
فقال رئيس لجنة شؤون الدفاع والداخلية والخارجية في المجلس الوطني الاتحادي، د. علي النعيمي عبر حسابه في تويتر إنه “لا يمكن العمل بفتوى صدرت قبل 26 عاماً”.
في حين استنكر الأكاديمي والكاتب الإماراتي المقرب من السلطة، عبد الخالق عبد الله، المزاعم بأن “الإمارات تبشر بديانة إبراهيمية جديدة” وأكد أن “البيت الإبراهيمي يدعو للحوار والتعايش بين أصحاب الأديان الثلاثة، وأن هناك اختلافا كبيرا بين الفكرتين”.
وقال الكاتب الصحفي الإماراتي محمد التقي إن “الإمارات أصبحت أفضل نموذج للأخوة الإنسانية بفضل البيت الإبراهيمي”، واستشهد بحديث للشيخ محمد العيسى، أمين عام رابطة العالم الإسلامي، أكد فيه أن “أصحاب الديانات السماوية الأخرى هم أهل كتاب خصهم الله بمكانة مميزة في الإسلام”، وأن “هناك فارق بين العائلة الإبراهيمية والديانة الإبراهيمية”.
افتتاح بيت العائلة الإبراهيمية
جاء نشر الفتوى القديمة وما صاحبها من جدل في أعقاب افتتاح نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الإماراتي، سيف بن زايد آل نهيان، ومعه وزير التسامح والتعايش، نهيان بن مبارك آل نهيان، ما يسمى بـ”بيت العائلة الإبراهيمية”، في العاصمة أبوظبي، بحضور قيادات دينية “إسرائيلية” متطرفة في فبراير/شباط الماضي.
وبحسب وكالة الأنباء الإماراتية فإن “بيت العائلة الإبراهيمية يعكس رؤية الدولة لتلاقي الإنسانية وحوار الثقافات”.
وقال حمد خليفة المبارك، رئيس بيت العائلة الإبراهيمية إن “تأسيس البيت الإبراهيمي يأتي ليشكل امتداداً لرؤية السلام والاحترام المتبادل في الإمارات التي يعيش بها أكثر من جنسية من حول العالم”.
ما هو بيت العائلة الإبراهيمية؟
- هو مجمع من مسجد وكنيسة وكنيس يهودي ومركز تعليمي في جزيرة السعديات التي تعتبر المركز الثقافي لمدينة أبوظبي في الإمارات.
- وأسس “بيت العائلة الإبراهيمية”، تطبيقًا لاتفاقية الأخوة الإنسانية التي وقعت بين شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان في مطلع فبراير شباط، في أبو ظبي عام 2019.
- ويضم بيت العائلة الإبراهيمية ثلاثة دور عبادة، وهي مسجد “الإمام الأكبر أحمد الطيب”، وكنيسة “البابا فرانسيس”، وكنيس “موسى بن ميمون”.