الاعتداء الجنسي: النظام في أوغندا يخفق في محاسبة مرتكبي الاعتداءات على الأطفال
- تاماسين فورد
- بي بي سي – إفريقيا
سجلت معدلات الاعتداء الجنسي على الفتيات الصغيرات في شمال أوغندا أرقاماً ضخمة، بعد أن تم الكشف عن أعداد الفتيات الحوامل وأعمارهن تتراوح بين 10- 14 عاماً قد تضاعفت أربع مرات، خلال وباء كورونا. وبحث فريق بي بي سي أفريقيا آي (Africa Eye BBC ) في أسباب إفلات الجناة من العقاب في هذه القضايا.
أشاحت الفتاة ذات الـ12 عاماً وهي في شهرها الأخير من الحمل بنظرها، وذلك بعد أن سألها رئيس المجلس المحلي في مدينة كيتغوم أوبيتا ديفيد ليفينجستون عن آخر زيارة قامت بها إلى الطبيب، إذ أن هذا النوع من الأسئلة يمكن أن يتم طرحها من جانب أحد أفراد أسرتها، إلا أن هذا الحمل لا يُعتبر طبيعيا.
تعيش الفتاة بمفردها في منزل صغير من مدينة كيتغوم، ومن المتوقع أن تلد في أي يوم، بعد أن عادت عائلتها إلى القرية التي تنحدر منها بحثاً عن المال، إثر خسارتهم في التجارة، وتركوا وراءهم الفتاة وحيدة في المدينة، كي تكمل دراستها في المدرسة القريبة.
يقول رئيس المجلس المحلي في المدينة، أوبيتا ديفيد ليفينجستون: “إن الجزء المؤسف من القصة، أنه بجوار مسكن الفتاة كانت هناك حانة، وهذا بحدّ ذاته عرّضها للكثير من الصعوبات”، واليوم، لا أحد يعرف من هو والد الطفل، أو ما الذي حدث.
ثلاث حالات اعتداء أسبوعياً
تم السماح فقط لفريق (بي بي سي أفريقيا آي) برواية قصة هذه الفتاة، دون ذكر اسمها، لأن رئيس المجلس المحلي كان يساعد الفريق بهدف زيادة الوعي بالعنف الجنسي الذي يحدث في المجتمع.
يقول ليفينجستون إن: “هناك ثلاث حالات هتك عرض تحدث أسبوعياً، أحياناً عندما نقبض على الفاعلين، نربطهم بالحبال ونأخذهم للشرطة، لكن أحياناً الضحايا لا يكلفون أنفسهم عناء متابعة الشكوى” وهو ما يؤدي إلى إفلات الجناة من العقاب.
على الرغم من جهود ليفينجستون في تقديم الجناة للمحاسبة، لكنه يضيف “لا يمكن لأحد أن يقدم الدعم الحقيقي لمن تعرضوا للاغتصاب، فالعدالة في هذه القضية بمثابة عدالة ضعيفة بالنسبة لي”.
يُعرّف هتك العرض للقاصر على أنه الاتصال الجنسي غير المشروع بفتاة دون سن الثامنة عشرة، ووفقاً لنظام معلومات الإدارة الصحية في أوغندا، ازدادت حالات الحمل بين الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهنّ بين 10 و 14 عاماً بنسبة 366 ٪ أثناء الإغلاق خلال وباء كورونا الذي استمر من مارس/ آذار إلى يونيو/ حزيران عام 2020.
في حين كان ما يقرب من ربع حالات الحمل خلال السنة الماضية في المستشفى العام الإقليمي في منطقة جولو، هو بين فتيات دون سن الـ18 عاماً، وهو سن الرشد في أوغندا.
تقول الدكتورة بيفا أروينيو، رئيسة قسم أمراض النساء والتوليد: “هناك أمهات بعمر المراهقة، تمت معاشرتهن وهنّ قاصرات، وليس من المفترض أن يحملن، حين تشكّل الأمهات الشابات النسبة الأعلى من الذين يموتون بسبب الولادة المتعسرة. فكلما كانت الأم أصغر سناً، ازدادت المضاعفات”.
“الاعتداء الجنسي كان استراتيجية حرب”
يُعتقد أن المعدلات المرتفعة من العنف الجنسي هي إرث من الصراع الذي دام لعقدين في شمال أوغندا، وهو الصراع المعروف بوحشيته.
وبدأ قائد جيش الرب للمقاومة “Lord’s Resistance Army -LRA” جوزيف كوني الحرب في البلاد، وهي جماعة متمردة أرادت الإطاحة بالحكومة، وعُرف مقاتلوها بمعاملتهم غير الإنسانية لمن اختطفوهم، من حيث التشويه وقطع الشفاه والأطراف، وتخويف الناس وإذلالهم.
تشير التقديرات إلى أن 40 ألف طفل قد اختطفوا وأجبروا على أن يصبحوا جنوداً أو عبيدَ جنس، في حين يعيش مليون و 700 ألف شخص في مخيمات للنازحين داخل البلاد.
رحل المتمردون عن أوغندا في عام 2008، لكن آثار أفعالهم الفظيعة لا تزال موجودة حتى اليوم، وفقاً للناشطة في مجال حقوق النوع الاجتماعي باميلا أنغويش، مديرة منظمة “Gulu Women Economic and Globalisation”، وهي منظمة غير حكومية معنية بحقوق الإنسان.
وتقول أنغويش: “كان للعيش في بيئة حقول ألغام سامة آثار طويلة المدى على المجتمع. فالناس معتادين على رؤية الجثث، وقد استخدم فريق جيش الرب للمقاومة الاعتداء الجنسي كاستراتيجية عسكرية، أصفها بأنها حرب استخدم فيها جسد المرأة،وأصبحت النساء هي ساحة المعركة”.
لم تتم محاكمة معظم الجناة على أفعالهم، إذ أن قلة منهم تمت محاسبتهم على الجرائم المرتكبة خلال الحرب، في حين تمت محاكمة أحد قادة جيش الرب للمقاومة، دومينيك أونغوين، وأدين في فبراير/ شباط بإحدى وستين تهمة، بعد ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، خلال محاكمته في المحكمة الجنائية الدولية.
أما جوزيف كوني، قائد جيش الرب للمقاومة، فهو مطلوب أيضاً من قبل المحكمة الجنائية الدولية، لكن مكان وجوده لا يزال مجهولاً.
ووفقاً للمحامية يونيس لاكارابر لاتيم، التي تعمل في منظمة كاريتاس “Caritas” غير الحكومية، فإن غياب المساءلة في شمال أوغندا لا يزال مستمراً منذ سنوات السابقة وحتى يومنا هذا. وتضيف :”نشأت في مدينة جولو، ورأيت الكثير من الأطفال يتعرضون لهتك العرض، ولم يكن لدى معظم آباءهم الموارد اللازمة لتحقيق العدالة التي يستحقها أطفالهم”.
“طفلتي لا تزال تتألم”
رافقتنا المحامية لاتيم في زيارة لعائلة فتاة تبلغ من العمر ثلاث سنوات اغتصبها أحد أقاربها. واكتشفت الأم ما حدث بعد أن لاحظت تغير أسلوب مشي الطفلة. وعندما جاءت الشرطة لاعتقال قريبها، قالت الأم إن الشرطة طلبوا منها نقوداً كي يقوموا “بنقل المشتبه به”.
وتوضح المحامية لاتيم إجراءات القبض على المشتبه بهم :”على المشتكي أن يدفع ثمن الطريق نحو العدالة، فعليه أن يدفع نقوداً مقابل الوقود خلال عملية القبض على المشتبه به، وأن يقدم الطعام للمشتبه به أثناء تواجده في مركز الشرطة”.
احتُجز المشتبه به في قصة هذه العائلة لمدة ستة أشهر، ولكن بسبب عدم اتباع كامل الاجراءات القانونية، تم إطلاق سراحه، فالأم ببساطة لم يكن لديها الإمكانات المادية التي تمكنها من مواصلة حبس المتهم.
في حين أكدت التقارير الطبية، وتقارير الشرطة إصابة الطفلة البالغة من العمر ثلاث سنوات بمرض ينتقل عن طريق الاتصال الجنسي. تقول والدتها: “طفلتي لا تزال تعاني من الألم حتى الآن. ولا يوجد علاج للعدوى، يجب أن يواجه المتهم حكماً بالسجن. لم أكن أريد أن ينتهي الأمر بهذه الطريقة”.
تضيف لاتيم أنه في الغالب لا يكون النظام عادلاً مع الضحايا، مشيرة إلى أن هناك العديد من القضايا التي تسقط دون التوصل لحكم قضائي، وتقول: “هناك الكثير من الفساد، فالناس لا يخشون ارتكاب الجرائم هنا، لأنهم يقولون إنه إذا كان لديك المال فستخرج من السجن، هذا ما يحدث”.
تقر قائدة شرطة منطقة أسوا، ناشولا دامالي، بوجود مشاكل حول كيفية التعامل مع بعض القضايا، لكنها تنكر تفشي الفساد. وتضيف “ليس من المفترض أن نطلب من الضحية أن تدفع مقابل الحصول على خدماتنا، لكن في بعض الأحيان عليّ أن أقر أنه يمكن أن ينفذ الوقود في سياراتنا ونحتاج للدفع لتعبئة الخزان”.
أما حول اتهامات الفساد، فتعلق دامالي: “هناك تصور عام بأن ضباط الشرطة فاسدون، لكن ليس جميعهم كذلك، الوضع تماماً مثل أي مؤسسة أخرى، فهناك أشخاص جيدون وأشخاص سيئون”.
في حين تعترف وزيرة الدولة لشمال أوغندا، غريس فريدوم كويوكويني، بوجود مشاكل قائلة :”لا يمكنني إنكار الفساد، فالفساد موجود على جميع المستويات، حتى على مستوى الوزارات، إذ أن لدينا قوانين لمحاسبة هتك العرض، وأخرى بشأن سفاح القربى، ولكن لا يسير الناس وفق القانون ويقومون برشوة الشرطة بدلاً عن ذلك، ثم لا تتابع الشرطة الشكاوي”. مؤكدة أن هناك قضايا تمت ملاحقتها لكن العدد ليس كبيراً.
فيما لم تتم مقاضاة أي من المشتبه بهم في القضايا التي حقق فيها فريق بي بي سي أفريقيا آي.
لمشاهدة فيلم فريق بي بي سي أفريقيا آي الوثائقي “براءة أوغندا المسروقة” كاملاً اضغط هنا.