الإنصات بطريقة نشطة وإيجابية يعزز قدرات السمع
يرفع مستوى الاستفادة من السمّاعات الطبية للمصابين بضعفه
الرياض: د. عبير مبارك
أن تسمع صوت كلام المرء الذي يتحدث إليك شيء، وأن تستمع إلى ما يتحدث عنه شيء آخر، وأن تستمع إلى ما يتحدث عنه شيء، وأن تستمع بإنصات إلى تفاصيل حديثه شيء ثالث، وأن تنصت إلى تفاصيل حديثه شيء، وأن تنصت إلى تلك التفاصيل في حديثة بطريقة «نشطة وإيجابية» شيء رابع.
– ممارسة الإنصات
أوساط طب الأذن والسمع، وأوساط طب الأعصاب، تشير كثيراً إلى الجدوى الصحية للتركيز على ممارسة «الإنصات بطريقة نشطة وإيجابية»، في رفع قدرات السمع واستيعاب الكلام، وكذلك في تنشيط القدرات الذهنية وكفاءة عمل الذاكرة.
وبالأصل، فإن الاستماع النشط (Active Listening) يعتمد على الفاعلية في ممارسة الاستماع الإيجابي (Positive Listening). ولذا يشير الاستماع النشط إلى عملية استماع يتم فيها إقران سلوكيات الاستماع الإيجابية المرئية ظاهرياً (Visible Positive Listening Behaviors)، مع ممارسات الاستماع الذهنية الإيجابية (Positive Cognitive Listening Practices). وبالتالي يمكن أن يساعد الاستماع الإيجابي في معالجة كثير من الحواجز البيئية والجسدية والمعرفية والشخصية، التي تحول دون الاستماع الفعال. كما يمكن للسلوكيات المرتبطة بالاستماع النشط أن تعزز كلاً من الاستماع المعلوماتي (Informational Listening)، والنقدي (Critical Listening)، والتعاطفي (Empathetic Listening).
ولكن ما طرحته دراسة طبية حديثة لباحثين من الدنمارك والسويد، يعرض جدوى أخرى لهذا المستوى الصحي من ممارسة عملية السمع، تحديداً في جانب تحسين الاستفادة والاستخدام الأمثل للمُعينات السمعيّة (السمّاعات الطبية/ Hearing Aid). وكانت دراستهم المنشورة ضمن عدد 2 أبريل (نيسان) من المجلة الدولية لطب السمع (Int J Audiol)، بعنوان «التركيز على ممارسة الاستماع الإيجابي يؤدي إلى تحسين نتائج المُعينات السمعية لدى مستخدميها».
وقال الباحثون: «كان الغرض من هذه الدراسة التحقق مما إذا كان التركيز على الممارسة الإيجابية للاستماع، سوف يحسن نتائج استخدام المُعينات السمعيّة»، أم لا. وفي نتائج دراستهم قال الباحثون: «تشير هذه النتائج إلى أهمية مطالبة مستخدمي المُعينات السمعيّة، بالتركيز على ممارسة الاستماع الإيجابي. والنتيجة المحتملة هي زيادة الاستفادة من المُعينات السمعيّة والرضا من استخدامها، مما قد يؤدي إلى استخدام أكثر ملاءمة واتساقاً واستمراراً لهذه الأجهزة السمعيّة».
– سماعات الأذن
وبخلاف ما يجنيه الشخص مباشرة من نتائج سريعة عند استخدام النظارات لتحسين قدرات الإبصار، فإن استخدام الشخص للسمّاعات الطبية لا يحقق مباشرة تلك النتيجة السريعة بمجرد تثبيتها على الأذن، ما يُثبط البعض عن الاستمرار في استخدامها. وهو ما عبّر عنه الباحثون بقولهم: «تتمثل إحدى المشكلات الرئيسية في علاج ضعف السمع في أن نسبة فقط (وليس كل) من الأشخاص الذين لديهم أجهزة سمعيّة، هم بالفعل يستخدمونها باستمرار. وأوضحت إحدى الدراسات الحديثة في 2020، أن 20 في المائة من الذين لديهم المُعينات السمعيّة في ويلز بالمملكة المتحدة لا يستخدمونها على الإطلاق، و30 في المائة منهم يستخدمونها بشكل متقطع. وأظهرت الدراسات الاستقصائية التي أجرتها جمعية مصنعي أجهزة السمع الأوروبية (EHIMA) أخيراً (2022) اتجاهات مماثلة، حيث إن 40 في المائة ممن لديهم المُعينات السمعيّة يستخدمونها أقل من 4 ساعات يومياً». وأضافوا: «لذلك، ركزت عدة دراسات على معرفة العوامل التي تؤثر على الرضا والقبول لتلك المعينات السمعيّة، بهدف المساهمة في تحسين نتائج وصفها والحصول عليها. وأشارت جميع هذه التحقيقات إلى أن حصول فائدة مجربّة – يشعر بها المرء – هو المحرك الرئيسي لاستخدام السماعات الطبية والرضا عنها. وعلى هذا النحو، ينبغي التركيز على تحسين الاستفادة من المعينات السمعية».
وطرح الباحثون إحدى طرق الحلول، وذلك بالقول: «أشارت مجموعة مزدادة من الأدلة إلى أن عملية التدخل والاستشارة، يمكن أن تكون لها تأثيرات مهمة على تحقيق الاستفادة من المعينات السمعية. وعندما يتم تشجيع مستخدمي المُعينات السمعيّة على التركيز في ممارسة الاستماع الإيجابي (Positive Listening)، فمن المرجح أن يدركوا المواقف التي تساعدهم فيها حقاً، وبالتالي يُقدّرون دور وفائدة معيناتهم السمعيّة أكثر».
وتحت عنوان «كم من الوقت يستغرق التعود على السمّاعة الطبية؟»، أجاب أطباء جامعة جونز هوبكنز: «ستكون تجربة كل شخص مختلفة. يمكن أن تساعدك المُعينات السمعيّة في سماع أصوات لم تسمعها من قبل أو لم تسمعها منذ سنوات عديدة. وتتم (من خلالها استخدامها) إعادة التعلم في الجهاز السمعي المركزي. ولذا يحتاج الدماغ إلى بعض الوقت لفرز أي معلومات جديدة تدخل الأذنين. وستكون لديك فترة تجريبية مدتها 60 يوماً تتيح لك الوقت للتكيف مع مُعيناتك السمعيّة ولتقييم فائدتها. وبناءً على خبرتك (التي تكونت منذ بدء استخدام المُعينات السمعيّة)، يمكن إجراء تغييرات البرمجة للمساعدة في عملية التعديل. ويحتاج معظم المرضى إلى عدة أسابيع من الاستخدام المتسق للمُعينات السمعيّة للتكيف معها».
– نصائح للمساعدة الصوتية
وفي هذا الجانب يقول أطباء السمعيّات في «مايوكلينك»: «يحتاج التعود على وسيلة المساعدة السمعيّة إلى بعض الوقت. ستلاحظ على الأرجح أن مهارات الاستماع لديك تتحسن تدريجياً عندما تعتاد على تضخيم الصوت. حتى صوتك يبدو مختلفاً عند ارتدائك وسيلة المساعدة السمعيّة. ومن الأمور التي تساعدك على النجاح في التعامل مع وسيلة المساعدة السمعية ارتداؤها بانتظام والعناية بها جيداً. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يخبرك اختصاصي السمعيّات بوسائل المساعدة السمعية الجديدة والأجهزة التي أصبحت متاحة. ويمكنه كذلك مساعدتك في إجراء التغييرات التي توافق احتياجاتك. والهدف أنه عند حصولك على وسيلة سمعيّة مُساعدة، أن تكون وسيلة تشعر بالراحة عند استخدامها، وتعزز قدرتك على السمع والتواصل».
ويضيفون الخطوات العملية التالية، بقولهم: «عند استخدام وسيلة المُساعدة السمعيّة لأول مرة، ضع النقاط التالية في اعتبارك:
– لن تُعيد وسيلة المُساعدة السمعيّة حاسة السمع لديك إلى مستواها الطبيعي. لن تستطيع وسائل المُساعدة السمعيّة استعادة حاسة السمع الطبيعية، وإنما يمكنها تحسين حاسة سمعك عن طريق تضخيم الأصوات الخافتة.
– يحتاج التعود على وسيلة المُساعدة السمعيّة إلى التمهُّل بعض الوقت. يستغرق التعود على وسيلة المُساعدة السمعيّة الجديدة إلى بعض الوقت. لكن كلما استخدمتها أكثر، كان تكيفك مع الأصوات المتضخمة أسرع.
– تمرّن على استخدام وسيلة المُساعدة السمعيّة في بيئات مختلفة. ستختلف الأصوات المتضخمة باختلاف الأماكن.
– اطلب الدعم وحاول أن تبقى إيجابياً. تساعدك الرغبة في التدرب على استخدام وسيلة المُساعدة السمعيّة الجديدة والحصول على الدعم من العائلة والأصدقاء على النجاح في استخدامها. يمكنك أن تفكر أيضاً في الانضمام إلى مجموعة دعم للأشخاص الذين يعانون فقدان السمع أو الذين يستخدمون وسيلة المُساعدة السمعيّة لأول مرة.
– عد مرة أخرى للمتابعة. قد تضم التكاليف التي يتقاضاها المتخصصون تكلفة زيارة واحدة أو أكثر من زيارات المتابعة. ومن الجيد أن تستفيد من ذلك لإجراء أي تعديلات ولضمان حُسن ملاءمة وسيلة المُساعدة السمعيّة الجديدة لحالتك».
– نجاح معالجة ضعف السمع وسيلة وقاية من الخَرَف
سلامة قدرات السمع، والاستماع بطريقة فعّالة، ليسا فقط ضروريين للفائدة الوقتية والآنية في فهم الكلام واستيعابه والاستفادة من المعلومات التي يتضمنها، بل إن الفائدة تتعدى ذلك إلى فوائد ذهنية طويلة الأمد.
وكذلك، عند وجود ضعف في قدرات السمع، فإن نجاح معالجته وتحسين قدرات السمع لدى الشخص، ليسا فقط ضروريين للفائدة الوقتية والآنية في فهم الكلام واستيعابه والاستفادة من المعلومات التي يتضمنها، بل الفائدة تتعدى ذلك إلى فوائد ذهنية طويلة الأمد أيضاً.
وضمن عدد 13 أبريل (نيسان) الحالي من مجلة «لانست الطبية» (Lancet)، عرض باحثون من الصين دراستهم بعنوان «الارتباط بين استخدام المُعينات السمعيّة والخَرَف: تحليل مجموعة البنك الحيوي في المملكة المتحدة». وفي خلفية الدراسة قال الباحثون: «يعد الخَرَف وفقدان السمع حالتين سائدتين بشكل كبير بين كبار السن. ولقد هدفنا إلى فحص العلاقة بين استخدام المُعينات السمعيّة وخطر الإصابة بالخَرَف بين البالغين في منتصف العمر وكبار السن. واستخدمنا بيانات من البنك الحيوي بالمملكة المتحدة». وفي النتائج قالوا: «لدى الأشخاص الذين يعانون من ضعف السمع، يمكن منع حالات الخَرَف من خلال المعالجة السليمة لفقدان السمع باستخدام السماعات الطبية، وتسلط نتائجنا الضوء على الحاجة الملحة لاتخاذ تدابير لمعالجة فقدان السمع لتحسين التدهور المعرفي».
وأشار الباحثون إلى دراسة سابقة حول هذا الجانب بإفادتهم: «أظهرت الأبحاث وجود ارتباط بين ضعف السمع والخَرَف، مما يشير إلى أن ضعف السمع قد يكون عامل خطر محتملاً قابلاً للتعديل، للإصابة بالخَرَف. وأشارت دراسة تم نشرها في 2020 بمجلة (لانست) إلى أن ضعف السمع عامل يرفع من خطورة الإصابة بالخَرَف. ومعالجة ضعف السمع وسيلة حاسمة للوقاية من الخَرَف».
وهذه الدراسة التي ذكروها، قد تم عرضها في مقال بعنوان «ضعف السمع… العامل الأقوى للإصابة بالخرف» ضمن عدد 14 أغسطس (آب) 2020 لملحق «صحتك» بـ«الشرق الأوسط». وأفادت بأن من بين مجموعة عوامل الخطورة القابلة للتعديل (Modifiable Risk Factors) لارتفاع احتمالات الإصابة بالخَرَف، يحتل «ضعف السمع» أهم عامل من بينها. ولدى المُصابين بضعف السمع، فإن معالجة هذا الأمر تُثمر خفض احتمالات الإصابة بالخَرَف وتأخير الإصابة به بنسبة تتجاوز أكثر من 40 في المائة.
ويقول الباحثون من «مايو كلينك»: «قد يُؤثِّر فقدان السمع تأثيراً كبيراً على نوعية الحياة، وقد يُعَبِّر البالغون الأكبر سناً والمصابون بفقدان السمع عن الشعور بالاكتئاب. ونظراً لتسبُّب فقدان السمع في إحداث صعوبة في التواصل، فقد يشعر بعض الأشخاص بالعُزلة، وقد يرتبط فقدان السمع بالضعف والتدهور المعرفي (Cognitive Impairment). ولا يزال سبب الارتباط بين فقدان السمع والضعف المعرفي والاكتئاب والعزلة، يخضع للدراسة المكثَّفة. وتُشير البحوث الأولية إلى أن علاج فقدان السمع يُمكن أن يُؤثِّر تأثيراً إيجابياً على الأداء المعرفي، خصوصاً على الذاكرة».
والاستماع الفعّال هو مهارة تواصل، وتتضمن تجاوز مجرد سماع الكلمات التي يتحدثها شخص آخر، ولكن أيضاً الإنصات والسعي لفهم المعنى والنية من وراء الكلام. ويُعد الاستماع الفعّال أمراً مهماً، لأنه يبقي الشخص منخرطاً مع شريكه في المحادثة، بطريقة إيجابية. كما أنه يجعل المُتحدّث يشعر بأنه مسموع. وهذه المهارة هي أساس المحادثة الناجحة في أي مكان – سواء في العمل أو في المنزل أو في المواقف الاجتماعية. ويتطلب أن يكون المُستمع مشاركاً نشطاً في عملية الاستماع.
وتتضمن تقنيات الاستماع النشط ما يلي:
– أن تكون حاضراً بشكل كامل في المحادثة.
– إظهار الاهتمام من خلال ممارسة التواصل البصري الجيد.
– ملاحظة (واستخدام) الإشارات غير اللفظية.
– طرح أسئلة مفتوحة لتشجيع مزيد من الردود.
– إعادة صياغة ما قيل والتأمل فيه.
– الاستماع للفهم لا للرد.
– استشارية في الباطنية