الأمان المالي وقت الأزمات والكوارث.. ما هو وكيف تحققه؟
فكيف يمكن تحقيق الأمان المالي؟ وما هي الفترة التي يمكن للأشخاص خلال تصريف أمور حياتهم وتغطية احتياجاتهم الأساسية بينما هم بدون دخل حقيقي وثابت بسبب أزمة اقتصادية أو كارثة بيئية أو صحية أو غير ذلك؟
بحسب تقرير نشرته منصة visualcapitalist، فإنه في أعقاب الكوارث الطبيعية أو الصدمات الاقتصادية، يمكن أن يُترك الأشخاص بدون دخل، ولهذا السبب يعد “الأمان المالي” جانباً مهماً من المرونة. وأشار التقرير، المنشور الشهر الجاري، إلى نتائج استطلاع سابق لمؤسسة “لويدز ريجستر”، حول مدى الأمان المالي للأشخاص من بلد إلى آخر.
▪ شمل الاستطلاع -الذي أجري في العام 2021- آراء 125 ألف شخص من 121 دولة، وكان محور السؤال عن المدة التي يمكن للناس فيها تغطية احتياجاتهم الأساسية دون دخل.
▪ تم تصنيف الإجابات حسب من يستطيع تحمل ذلك لأكثر من شهر، أو شهر أو أقل، أو أقل من أسبوع، ومن لم يعرف أو رفض الإفصاح.
▪ وجدت الدراسة أن أولئك الذين يمكنهم تغطية احتياجاتهم لفترة أطول يأتون بشكل عام من الاقتصادات المتقدمة، وأولئك الذين يمكنهم تغطية احتياجاتهم لأقصر فترة زمنية يأتون من الاقتصادات النامية حيث الأمان المالي أكثر هشاشة.
▪ كما خلصت الدراسة إلى أن عدداً مذهلاً يبلغ 2.7 مليار شخص لا يمكنهم تغطية احتياجاتهم الأساسية إلا لمدة شهر أو أقل دون دخل، ومن بين هذا العدد، يستطيع 946 مليون شخص البقاء على قيد الحياة لمدة أسبوع على الأكثر.
وفي ضوء ما تُظهره نتائج ذلك الاستطلاع الدالة على مستوى ومدى “الهشاشة المالية” للأفراد حول العالم، فإن التقرير أبرَزَ ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة هذا التفاوت في الدخل ونقص الأمن المالي، وخاصة في الاقتصادات النامية.
وبحسب التقرير نفسه، فإنه “إذا تُرك هذا الأمر بلا ضابط أو رابط، فإنه يقوض القدرة العالمية على الصمود في مواجهة تغير المناخ، والكوارث الطبيعية، وأي عدد من الصدمات الأخرى”.
حد الأمان المالي
يعتبر حد الأمان المالي هو مستوى امتلاك أصول وموارد مالية كافية لتغطية نفقات الأفراد وحالات الطوارئ والتقاعد دون الخوف من نفادها، بحسب الخبير الاقتصادي المغربي، علي الغنبوري، خلال حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”.
وأضاف أنه أيضاً يعبر عن حالة عدم الشعور بالقلق تجاه وجود المال لتغطية النفقات والاحتياجات الضرورية للحياة، مشدداً على أن الأمر لا يتعلق بتوفير وسائل الرفاهية مثل سيارة رياضية أو طائرة خاصة ليكون الفرد آمناً من الناحية المالية، وإنما هذا الأمان هو القدرة على التحكم في الأموال وألا يكون قلقاً بشأن التزاماته المالية.
وذكر أن حدود الأمان تتجلى في استمرار وجود السيولة المالية الكافية للاستمرار في توفير أساسيات الحياة، مشيراً إلى أنه نوعان، وهما:
▪ أمان نسبي: يرتبط بالقدرة على توفير المال للحياة خلال فترة معينة، تمكن الفرد من تجاوز الظروف الطارئة والعودة للإنتاج والعمل.
▪ أمان كُلي: عبر استمرار التدفق المالي لتوفير ضروريات الحياة طيلة حياة الفرد، إما عبر مدخرات أو عبر أشكال معينة من الريع كالعقار أو الاستثمارات البنكية الطويلة الأمد أو أنظمة التأمين المختلفة.
وأشار إلى أن الدول تختلف من دولة إلى أخرى وكذلك مستوى العيش والأسعار، فاقتصاد أميركا ليس هو اقتصاد المغرب والأسعار في ألمانيا ليست هي الأسعار في مصر على سبيل المثال، وبالتالي فحد الأمان يختلف كذلك هو من دولة إلى أخرى، موضحاً أنه أي نوع من التقييم المالي والقدرة على توفير أساسيات الحياة يتم بناء على المكان والدولة التي يعيش فيها الفرد، وانطلاقاً من مقوماتها الاقتصادية ومستويات العيش داخلها.
وأضاف أن حد الأمان المالي للأفراد يمكن أن يكون مرتفعاً في الدول الصناعية الكبرى -كما تُظهر نتائج الاستطلاع المشار إليه- التي ترتفع فيها مستويات العيش والأسعار، ولكن يرتفع بشكل أكثر في الدول التي لا تعتمد على شبكات الأمان الاجتماعي، وآليات لتوفير التغطية الصحية والرعاية الاجتماعية ومجانية التعليم والصحة لأفراد المجتمع، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على مستويات الأمان المالي داخلها نظراً لارتفاع النفقات الخاصة بالأفراد.
وقدم الخبير الاقتصادي المغربي عديداً من النصائح التي يستطيع من خلالها الفرد أن يعزز من حد أمانه المالي، ومنها:
▪ التخطيط المالي السليم.
▪ العمل على زيادة المدخرات المالية.
▪ تنويع النشاط الاقتصادي للأفراد من خلال الاستثمارات المباشرة والاعتماد على استثمارات ريعية كالعقار.
▪ الانخراط في شبكات الأمان الاجتماعي كالتأمينات وغيرها من أشكال الضمان الاجتماعي.
نصائح عامة
وعادة ما ينصح المستشارون الماليون والخبراء المختصون بعدة إجراءات “استباقية” و”وقائية” من أجل دعم “الأمان المالي” للأفراد في مواجهة أي كوارث محتملة تهددهم بالبقاء دون دخل لفترة طويلة أو قصيرة. من بين أهم تلك الأدوات ما يتعلق بـ “التأمين”، ذلك أنه يتعين الحصول على تأمين مناسب لممتلكات الأفراد وأصولهم، ويمكن أن يشمل ذلك تأمين المنزل والممتلكات وتأمين السيارة، كما يمكن النظر في تأمين الحياة والتأمين الصحي.
ويضاف إلى ذلك “إعداد خطة مالية طارئة”، من خلال إنشاء صندوق طوارئ يحتوي على مبلغ من المال يكفي لتلبية الاحتياجات الأساسية لفترة معينة إذا تعطلت مصادر الدخل بسبب الكارثة الطبيعية أو ما إلى ذلك. جنباً إلى جنب وأهمية “التخطيط للتقاعد”، من خلال الاستثمار في حساب التقاعد الشخصي مبكرًا لضمان الاستقرار المالي في المستقبل.
كما يُنصح عادة بالتنويع في الاستثمار، لتقليل المخاطر المالية، وذلك ما بين الأصول مثل الأسهم والسندات والعقارات. كما يمكن المشاركة في البرامج الحكومية التي تقدم دعمًا ماليًا للأفراد الذين تضرروا من كوارث طبيعية.
لماذا توفر بعض الدول الأمان المالي دون الأخرى؟
من جانبه، أوضح الخبير الاقتصادي المغربي، محمد جدري، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن هناك فروقاً بين تحقيق الأمان المالي بين دولة وأخرى، مشيراً إلى أن هناك بعض الأمور التي تسهم في تحقيق الأمان المالي؛ منها مجانية التعليم والخدمات الصحية، بالإضافة إلى تسهيلات السكن وتعويضات أهالي الضحايا والمصابين، وهو ما توفره الدول وغيرها من الدول التي تعد الحماية الاجتماعية فيها متطورة.
وعن البلدان العربية، قال إن الأمان المالي للأفراد ضعيف في كثير منها، مشيرًا إلى أنه في أغلب الأوقات يجب عليهم سداد رسوم لتوفير التعليم والخدمات الصحية والسكن، وأن منحة فقدان العمل تقريبا نادرة وغير متوفرة في كثير من الدول العربية خاصة في دول شمال أفريقيا.
وأكد أن ما يجب على الدول أن تقوم به هو أن تطور من الثقافة المالية بالنسبة للمواطنين والأفراد، وبالنسبة للأسر عليها ألا تستهلك أكثر من مدخلاتها عبر تطبيق خطة (60- 20- 20)، موضحاً أن عليها أن تخصص 60 بالمئة من الدخل ليوجه إلى الأمور المهمة المتعلقة بالاستهلاك، و20 بالمئة توجه للاستثمارات طويلة أو قصيرة الأمد، أما الـ 20 بالمئة الأخير فلابد أن توجه إلى الادخار خاصة وأن هو الذي يحقق الأمان المالي.
ونوه إلى أن الأسر العربية إن استطاعت أن تحقق ادخارا يوازي ستة أشهر من دخلها، يمكنها أن تحقق الأمان المالي، فإذا وقعت كارثة ما أو فقد شخص عمله يكون لديها هامش خلال تلك الفترة يبقيها في نفس المستوى المالي، مؤكداً أن مُدة الستة أشهر كافية للبحث عن فرصة عمل أخرى أو تأسيس عمل جديد أو الانتقال لمدينة أخرى، أما إذا كان كل الدخل يذهب إلى الاستهلاك خلال الشهر أو الاقتراض من أجل الاستهلاك فإن هذا يشكل خطورة على الأمان المالي للفرد ويعرضه لانتكاسات عند حدوث كارثة أو فقدانه عمله.