اكتشاف نجوم أكبر من الشمس بـ 10 آلاف مرة
«الشرق الأوسط» تحاور باحثين مشرفين على التجارب الفضائية السعودية
عادة ما تفرض وكالات الفضاء حجراً صحياً على المسافرين إلى المحطة الدولية للتأكد من خلوهم من الأمراض المعدية، ولكن مع زيادة الرحلات إلى الفضاء سواء للسياحة أو مهام علمية، والاتجاه في المستقبل نحو تعمير الفضاء، قد يكون من الصعب تنفيذ مثل هذا الإجراء، وتكون بيئة الفضاء، مثلها مثل الأرض، عرضة لانتقال مسببات الأمراض… فهل ستكون المناعة البشرية في بيئة الفضاء قادرة على توفير الحماية للبشر؟ وهل ستكون الأدوية فعالة في العلاج؟
ومن شأن بعض التجارب التي بدأ رائدا الفضاء السعوديان ريانة برناوي، وعلي القرني في تنفيذها بـ«محطة الفضاء الدولية» أن تقدم إسهاماً في تقديم إجابة عن الأسئلة السابقة وغيرها، حيث تتطرق في جانب منها إلى «علوم الخلية»، من خلال دراسة الاستجابة الالتهابية للخلايا المناعية البشرية في بيئة الجاذبية الصغرى بمحطة الفضاء الدولية.
ويشرف الدكتور، خالد أبو خبر، رئيس «برنامج الجزيئات الحيوية» بمركز الأبحاث في «مستشفى الملك فيصل التخصصي» بالرياض، على التجارب التي يجريها القرني وبرناوي.
وشرح أبو خبر لـ«الشرق الأوسط»، تفاصيل التجارب الجاري تنفيذها في الفضاء من قبل الرائدين السعوديين، قائلاً: «أرسلنا مع رواد الفضاء خلايا الدم البيضاء المناعية مجمدة عند درجة 80 تحت الصفر، وبعد منحها فرصة التكيف مع بيئة الفضاء خلال 48 ساعة من وصولها إلى محطة الفضاء الدولية، بدأت التجارب عليها».
وتشمل التجارب، كما يوضح أبو خبر، «تعريض الخلايا لمركب ميكروبي (غير معدي)، لرصد استجابة الخلايا للالتهاب والعدوى». مضيفاً: «هذا المركب الميكروبي يقوم بتشغيل الكثير من نشاط الجينات، التي نريد رصدها، وهل هناك اختلاف بين ما يحدث في الأرض والفضاء، كما سيتم رصد تأثير تفاعل الخلايا المناعية مع المركب الميكروبي على الحمض النووي الريبوزي المرسال (الرنا مرسال) الموجود بالخلايا، وتحديد عمره بدقه».
يقول أبو خبر: «تبرز أهمية (الرنا مرسال) باعتباره جزيئاً حيوياً يلعب دوراً مهما في نقل وتشفير وفك تشفير وتنظيم التعبير عن المعلومات الوراثية وتحفيز العديد من التفاعلات الكيميائية، ومن المهم رصد تفاصيل ما يحدث فيه خلال التفاعل مع المركب الميكروبي في بيئة الفضاء».ولا تكتفي التجارب برصد المشكلة، لكنها أيضا تقترح العلاج، وفق ما يفيد أبو خبر الذي يوضح: «سنختبر أيضا استخدام علاج افتراضي، وهو مادة كيميائية تشبه العلاجات المتاحة، حيث سيتم استخدامها مع الخلايا المناعية التي تعرضت للمركب الميكروبي، لنرى هل تستجيب للعلاج في بيئة الفضاء أم لا».
تجارب غير مسبوقة
والتجارب بهذه التفاصيل، تبدو «غير مسبوقة»، وفق أبو خبر، حيث لم يسبق أن أجرتها «ناسا» أو أي وكالة فضاء أخرى، ويشرح: «ليس من المنطقي مع هذا الحدث التاريخي، أن نقوم بتنفيذ تجارب سبق وعمل عليها آخرون».
ويعتقد الخبير السعودي أن تجارب بلاده «تتضمن الكثير من نقاط التميز»، مرجعاً ذلك إلى أن مركز الأبحاث الذي يعمل به «لديه تاريخ من العمل البحثي في مجال (الرنا مرسال)». مضيفاً «نحن نستفيد من هذه الخبرة البحثية في تلك التجارب، ولم يسبق أن أجرت (ناسا) أو أي وكالة فضاء أخرى، أبحاثاً تتعلق بقياس عمر (الرنا مرسال) في الخلايا، كما أننا نتميز أيضا باستخدام المركب الميكروبي لرصد الاستجابة الالتهابية، واستخدام مادة تثبط المركب الميكروبي (علاج افتراضي) لرصد ما يحدث، وكل هذه التجارب جديدة من نوعها».
وبشأن إمكانية أن تكون نتائج أبحاثهم مفيدة في مواجهة خطر انتقال فيروسات مثل «كوفيد – 19» إلى الفضاء، قال أبو خبر إنها «ستكون مفيدة في إعطاء تصور عن المناعة ضد الفيروسات في بيئة الفضاء ومدى فاعلية الأدوية في النطاق نفسه، كما ستفيد أيضا في إعطاء تصور حول إمكانية إنتاج لقاحات في الفضاء باستخدام تقنيات (الرنا مرسال)، مثل المستخدمة في لقاحات (كوفيد – 19) مثل لقاحي (فايزر وموديرنا)، حيث يوجد توجه لبناء محطات إنتاجية لبعض المواد في الفضاء». الحصول على نفس التفاصيل الدقيقة لبيئة الفضاء».ويقول: «إذا أردنا اختبار ما يحدث في بيئة الفضاء، فلا بديل عن الذهاب إلى هناك، حتى نستطيع الحصول على نتائج دقيقة».
الجهاز العصبي
وإذا كانت تلك الأبحاث يتم إجراؤها باستخدام خلايا مناعية تم استقدامها من الأرض، فإن هناك أبحاثاً أخرى سيتم إجراؤها على رواد الفضاء أنفسهم، بقيادة بدر شيرة، الباحث المتخصص في طب الفضاء بشركة «سديم» للبحث والتطوير المتخصصة في «طب الفضاء».
ويقول شيرة لـ«الشرق الأوسط»، إن الأبحاث التي ستجرى تحت إشرافه «ستركز على الجهاز العصبي، حيث ستشمل قياس تدفق الدم إلى الدماغ والنشاط الكهربائي به، وتقييم الضغط داخل الجمجمة عن طريق التقييم غير الجراحي لـ(بؤبؤ العين)، ومراقبة التغيرات في العصب البصري بمرور الوقت».
ويوضح أن التجارب ستشمل أيضا، «أخذ عينات الدم والعينات الحيوية لفحص المؤشرات الحيوية المتعلقة برحلات الفضاء ولرسم خريطة التغيرات في الطول والبنية والتخلق الوراثي للكروموسومات». ويضيف أن نتائج تلك الأبحاث «ستساعد في تحسين مراقبة الصحة العصبية لجعل الرحلات الفضائية أكثر أمانا في المستقبل والسماح بتطوير المراقبة السريعة وغير الغازية، فضلا عن التدخلات المبكرة وتطوير التدابير الوقائية».
ولا تمثل تلك التجارب، بحسب شيرة، أي خطر على صحة رواد الفضاء، لأنها «تعتمد على أجهزة قياس حديثة وجديدة من نوعها، ولا تسبب أي تفاعلات ضارة، ويقتصر دورها على توفير مؤشرات حيوية تساعد، على فهم ما يحدث في بيئة الفضاء».
المطر الاصطناعي
وإلى جانب الأبحاث الصحية، توجد أبحاث من نوع آخر، وهي تجربة المطر الاصطناعي، التي تتم تحت إشراف أشرف فرحات، الأستاذ بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن.
ووفق بيان لـ«هيئة الفضاء السعودية»، فإن هذه التجربة ستشمل «تكثيف بخار الماء على العوالق وذرات الملح في الجاذبية الصغرى لمحاكاة عملية استمطار السحب المستخدمة في المملكة العربية السعودية والعديد من الدول الأخرى لزيادة معدلات هطول الأمطار».
ويقول البيان إن «هذه التجارب ستساعد على ابتكار طرق جديدة لتوفير ظروف مناسبة للإنسان، بما في ذلك عمل المطر الاصطناعي للعيش في مستعمرات فضائية على سطح القمر والمريخ، كما ستساهم في تحسين فهم الباحثين لتقنية البذر المطري مما سيسهم في زيادة هطول الأمطار في العديد من الدول».
اقتصاد الفضاء
ولأن الذهاب إلى الفضاء سيصبح أمراً معتاداً في المستقبل القريب، لأسباب سياحية واقتصادية وعلمية، يرى الباحثون أن هناك مردوداً اقتصادياً كبيراً لهذه الأبحاث، ويقول أبو خبر، إن «أي دولار يتم إنفاقه على مثل هذه الأبحاث، سيكون مردوده الاقتصادي في المستقبل عشرة دولارات».
ويضيف «أبحاث الفضاء بعضها سيكون مفيدا فقط لرحلات الفضاء، والبعض الآخر يمكن أن يكون له انعكاس على الحياة بكوكب الأرض، فأبحاثنا مثلا في التفاعلات المناعية بالفضاء، يمكن أن تساعد في فهم أشياء تحدث على الأرض، كما كانت أبحاث (الجي بي إس) التي هي في أساسها أبحاث فضائية، مفيدة للحياة على الأرض».
ويؤكد شيرة على المعنى ذاته، قائلا، إن «تلك الأبحاث تتماشى مع (رؤية المملكة العربية السعودية 2030)، والتي تتضمن إسهام قطاع الفضاء في تحول المملكة نحو اقتصاد قائم على الابتكار». مشيرا إلى أن «المملكة تسعى لأن يصبح قطاع الفضاء محفزاً للاستثمار، ويساعد في خلق أسواق جديدة تكون رافداً للتنوع الاقتصادي وخلق وظائف جديدة».