إفريقيا .. اتفاقية التجارة الحرة سبيل إلى الحلم القاري
يتوقع البنك الإفريقي للتنمية أن تصبح إفريقيا سوقا استهلاكية كبيرة، نظرا إلى نموها الديمغرافي السريع. فقد قفزت من 140 مليون نسمة، أي 9 % من سكان العالم، إلى 1.52 مليار نسمة عام 2024، ما يمثل 18 % من سكان الأرض، مع توقعات ببلوغها 2.5 مليار نسمة، ما يعادل 4/1 من سكان العالم بحلول 2050.
توقعات تحرك الأفارقة قصد استثمارها بالتوقيع على اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية، في مارس 2018، لتشكيل أكبر منطقة تجارة حرة في العالم، التي دخلت حيز التنفيذ في يناير 2021، بإطلاق أول شحنة، في مسيرة التكامل التجاري الإفريقي، من غانا نحو جنوب إفريقيا.
منذ الشروع في تطبيق الاتفاقية القارية قدمت 44 دولة عروضها التعريفية، في خطوة جيدة نحو تفعيل مقتضياتها، التي تنص على إلغاء التعريفات الجمركية على 97 % من عامة الرسوم والمدفوعات.
عمدت الأمانة العامة لمنطقة التجارة الحرة القارية، شهر أبريل الماضي، إلى تعزيز هذه الاتفاقية، بإطلاق منصة خاصة بالمنطقة، ستصبح مستودعا للبيانات التجارية المهمة، حيث تقدم رؤى حول قواعد المنشأ ومعلومات السوق، وذلك بغية تسهيل التجارة داخل القارة الإفريقية.
يتطلع الأفارقة في عموم القارة إلى تغيير ملموس في واقع التجارة البنية الإفريقية التي تشكل أقل من 20 % من إجمالي التجارة، بينما يذهب الباقي إلى الخارج، على الرغم من أن الأفارقة يشكلون 18 % من سكان العالم، فإنهم يسهمون بأقل من 5 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
تزداد طموحات أبناء القارة عند الاطلاع على توقعات الاتحاد الإفريقي عن تعزيز الاتفاقية التجارية للدخل الإقليمي 7 %، أي ما يعادل 450 مليار دولار. وذلك بالنظر لإمكانيات الطبيعية ومؤهلات البشرية، واحتضانها سوقا استهلاكية متنامية تقدر بـ 1.2 مليار شخص، وناتجا محليا إجماليا يبلغ 2.5 تريليون دولار.
توقع البنك الدولي من جانبه، أن تسهم الاتفاقية في انتشال 30 مليون شخص من الفقر المدقع، و68 مليون شخص من الفقر المعتدل، فضلا عن ارتفاع 15 % من إجمالي تجارة القارة البينية، بحلول 2035.
تعزز هذا التفاؤل بالأرقام التي كشف عنها تقرير البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير حول التجارة البينية الإفريقية، خلال 2023، التي بلغت 192 مليار دولار، بنمو بلغ 7.2 %. ومثلت التجارة الإقليمية 15 % من إجمالي تجارة القارة، خلال العام الماضي، مقارنة بـ13.6 % في 2022.
نبه التقرير إلى ما يخفيه هذا النمو وراءه من تفاوت كبير بين المناطق الإقليمية في إفريقيا، فجنوب القارة هو المحرك الرئيس للتجارة بين البلدان الإفريقية بـ41.4 % مقابل 25.7 % لمنطقة غرب إفريقيا، و14.1 % لشرق إفريقيا و12.4 % لشمال إفريقيا و6.6 % لوسط إفريقيا.
تحد هذه الحقائق من سقف تطلعات الاتفاقية الذي يرنو إلى سوق مشتركة وعملة موحدة. فضلا عن معطيات أخرى مثل البنية التحية الضعيفة، فنقل حاوية من الصين إلى الموزمبيق، حسب مجلة “دو إيكونوميست” يكلف ألفي دولار، بينما نقلها داخل البلاد، ولمسافة 500 كلم فقط، يتطلب 5 آلاف دولار.
لا يزال الطريق طويلا أمام الأفارقة للتفعيل الأمثل لمقتضيات اتفاقية من شأنها تغيير قواعد اللعبة بالقارة، فالحديث هنا نطاق جغرافي هائل، يمتد على مساحة تبلغ 3 أضعاف الولايات المتحدة الأمريكية، وعن سوق تجمع نحو 1.3 مليار شخص، وإنتاج محلي إجمالي بقيمة 2.5 تريليون دولار.
أيا تكن العوائق لا خيار أمام الأفارقة سوى العمل على تدليلها، ولهم في مسيرة التكتلات الاقتصادية الكبرى في العالم عبرة، فالثمار والعوائد والأرباح، بعد تنفيذ هذه الاتفاقية، كفيلة لوحدها بإثبات أن العالم على موعد مع قرن البزوغ الإفريقي.