“أزمة سيولة” تُعيد ترتيب حسابات المستثمرين
مقال نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، حدد ثلاثة أسباب تدفع إلى ذلك القلق:
- أول تلك الأسباب هو ما يتعلق بما تشهده بيئة الاقتصاد الكلي من تحولات عميقة، لجهة الانتقال من برامج التحفيز التيسيرية الكمية للبنوك المركزية إلى التشديد على أساس منسق.
- ثانياً: يؤدي تزايد عدم اليقين بشأن السياسة النقدية إلى زيادة تقلب أسعار الفائدة. في وقت يتعارض تركيز البنوك المركزية على تجنب التضخم على غرار السبعينات مع توقعات الانكماش الاقتصادي الحاد الذي سيتطلب العودة إلى التيسير.
- ثالثاً: أدت التغيرات في سوق الخزانة الأميركية إلى إثارة مخاوف بشأن السيولة. وذلك بعد أن انفجر حجم السوق لينمو بأكثر من خمسة أضعاف على مدى السنوات الـ 15 الماضية (وفقاً لبيانات جيه بي مورغان).
ومع ذلك ، وجدت جي بي مورغان أن عدد المتعاملين الأساسيين قد توقف وأن عمق السوق في سندات الخزانة الأميركية انخفض بنسبة 60 بالمئة تقريباً في العام 2022.
ومع تلك المعطيات، فما هي الآثار المترتبة على المستثمرين؟ يشير المقال المذكور، الذي كتبته لوري هاينل، إلى أن المستثمرين بحاجة إلى التفكير على نطاق أوسع حول كيفية تعرضهم لمخاطر السيولة الحادة. ذلك أن عديداً من أحداث السوق الأكثر ضرراً هي التي تحركها السيولة، لكنها أيضاً فرص رئيسية لأولئك الذين لديهم نقود جاهزة لالتقاط الأصول بأسعار مغرية.
أزمة السيولة
الخبير الاقتصادي السعودي، سليمان العساف، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- ثمة هناك بوادر أزمة سيولة قادمة؛ بسبب ارتفاع الفائدة، وما نتج عن ذلك من سحب السيولة من الأسواق وإيداعها في البنوك.
- عملية رفع الفائدة تجعل الاقتراض أكثر صعوبة؛ بسبب ارتفاع تكلفة الدين، وكل هذه الأمور تؤثر على السيولة.
- هناك حالة عدم يقين، وحالة ضبابية في الاقتصاد العالمي.
- يُتوقع أن يمر العالم بركود، ونتمنى ألا يكون ركوداً تضخمياً واسعاً في كثير من دول العالم.
ويشير إلى مصطلح Cash is king (النقد هو الملك) في مثل تلك الفترات، وهو “مصطلح صحيح، لكنّ الكثيرين يسيئون فهمه، فهو يعني أنك تستطيع الاستفادة مما لديك من أموال ليس في اكتنازها دون استثمار، بل لاستثمارها في اقتناص الفرص، على اعتبار أن حالة الهلع والمخاوف التي تنتاب الأسواق تدفع البعض إلى التخلص من بعض الأصول الثمينة، وهنا يُمكن اقتناص تلك الفرصة وتوظيف الأموال في هذه الأصول”.
وتبعاً لذلك، يلفت الخبير الاقتصادي إلى أنه وفق المبدأ المذكور يُمكن اقتناص الفرص في هذا الوقت، سواء في الشركات والأسواق الأميركية وغيرها “فهو وقت مناسب لمن يجيد الاختيار ويقرأ الأسواق ويقيس تحركات واتجاهات الأسواق خلال المرحلة المقبلة”.
وبالعودة لمقال “فاينانشال تايمز”، فإن الكاتبة أشارت إلى أن “هناك حاجة إلى عقلية قصيرة المدى للتعامل مع ضغوط السوق واغتنام الفرص لشراء الأصول الرخيصة”.
وأشارت في الوقت نفسه إلى أن المستثمرين بحاجة اليوم إلى أن يكونوا أذكياءً وأن يطوروا إطاراً للتأكيد على اختبار افتراضاتهم بشأن السيولة المستقبلية، والاحتفاظ بإمكانية الوصول إلى ممتلكات وأصول للاستفادة من الفرص التي تحركها السيولة.
يأتي ذلك في وقت يساعد فيه الابتكار في الأسواق والوصول إلى مجمعات السيولة المستثمرين على التكيف، فقد أدى توسيع الوصول إلى الأسواق عن طريق التداول الإلكتروني إلى خفض تكاليف الوصول إلى السيولة.
كما توفر أدوات إدارة المخاطر المحسنة حلاً هامًا آخر. يجب على المستثمرين تحديد مجالات الضغط بشكل استباقي من خلال مراقبة المؤشرات الرئيسية مثل أحجام التداول الحقيقية عند نقاط الضعف والتكاليف وتدفقات الأموال مع إجراء فحص دقيق لمناطق السوق التي عانت من الإجهاد في الماضي. إذا تم تحديد مشكلة مخاطر محتملة ، تحتاج فرق المخاطر إلى تدابير سريعة لتخفيف الأمور.
عوامل التحوط
من جانبه، يقول عضو المجلس الاستشاري لمعهد الأوراق المالية والاستثمار البريطاني في دبي، وضاح الطه، في تصريحات خاصة لـ”اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- أزمة السيولة تعني انخفاض مستويات السيولة بأسواق المال، سواء نتيجة عمليات تسييل وانسحاب أو تغيير المراكز الاستثمارية للمحافظ والصناديق، وبما يؤدي إلى انخفاض في مستويات السيولة بسبب القلق أيضاً من عدم وضوح الرؤية بالنسبة للوضع الاقتصادي خصوصاً في الولايات المتحدة.
- تكرار رفع الفوائد المستمر يقود إلى تخفيض النقد الموجود في السوق؛ بسبب أنه يخفض الاقتراض.
ويضيف: “عادة -وهذه أهم نقطة لدى مدراء المحافظ وبشكل عام حتى المستثمرين- أن السيول الموجودة في السوق عندما تنخفض، يصبح هذا مصدر قلق بسبب أن القدرة على اختيار التوقيت المناسب للخروج كلياً أو جزئياً من سهم أو عدة اسهم تكون أقل”.
ويستطرد: “ولذلك بعض المحافظ تركز على سيولة السوق وسيولة السهم، لأنها تحسب حساب استراتيجية الخروج، بحيث لا تتأثر تلك الاستراتيجية بسبب انخفاض مستويات السيولة، وعليه يكون هناك احتياط وتحوط لهذا الجانب”.
ويلفت عضو المجلس الاستشاري لمعهد الأوراق المالية والاستثمار البريطاني في دبي، إلى أن هناك عدة استراتيجيات يتبعها مدراء الصناديق والمحافظ، من خلال خفض التعرض للأسواق والأسهم التي انخفضت سيولتها، بالتركزي على الأمد الطويل للأسهم الدفاعية المستقرة ذات العائد المستقر، والتي ليس من المتوقع أن يتم تسييل أسمهما بعد.
ويشير الطه أيضاً إلى أنه يتم التحوط بأصول عادة ما تحافظ على القيمة، سواء نتيجة انخفاض قيمة العملةأو بسبب حالة عدم الاستقرار أو عدم الوضوح، فيتم اللجوء إلى الذهب على سبيل المثال (..)، مضيفاً: “هذه الاستراتيجيات هي استراتيجيات احترازية خشية من عدم القدرة على الخروج من سهم معين نتيجة تدني مستويات السيولة”.
ويختتم حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” قائلاً: “بشكل عام، في حالات عدم اليقين الاقتصادي عادة ما يتم اتخاذ إجراءات احترازية متنوعة، وليس فقط من خلال سوق الأسهم، وإنما أيضاً بالإضافة إلى ما ذكرته التوجه إلى أسهم طويلة الأجل ، والأسهم المستقرة الدفاعية، والتي عادة ما تكون مستويات تذبذبها محدودة، فضلاً عن التوجه إلى الذهب”.
أزمة المصارف وسحب الودائع
من جانبه، يشير الخبير الاقتصادي الكويتي، محمد الرمضان، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أنه “عقب بداية أزمة المصارف في الولايات المتحدة مع تعثر سيلكون فالي، في مارس الماضي، بدأ كبار المستثمرين يسحبون ودائعهم من البنوك الأميركية، واستثمارها في سندات الخزانة الأميركية، لا سيما أن الودائع مُغطاء فقط حتى 250 ألف دولار، وبالتالي سارع من لديهم ودائع بأكثر من ذلك بسحب ودائعهم”.
ويلفت إلى أن “هناك انتقاءً من جانب المستثمرين إلى الأسهم المتوقع أن تُبلي بلاءً حسناً، أو التخفيف في الاستثمار في المؤشرات وزيادة الكاش تجنباً للمخاطر.. كما أن هناك الكثير من المستثمرين ممن يتجهون للاستثمارات البديلة في أصول مختلفة، وكذلك في العملات الرقمية، إضافة إلى الذهب بشكل طبيعي، في ضوء ارتفاع معدلات التضخم والمخاوف من انهيار العملة، وكذلك مخاوف المستثمرين من مدى الانكشاف والمخاطرة في محافظهم، وبالتالي يقومون بتغيير اتجاهاتهم تجنباً للمخاطر التي يشعرون بأنها كبيرة”.
ويوضح أن من أوجه الاستثمار كذلك العقارات وصناديق التحوط وغيرها، مشدداً على أن “الوضع الراهن يتطلب الابتعاد عن الأصول ذات المخاطر العالية، والاعتماد على الأصول الأكثر أماناً، أو ما يُعرف باسم الأصول الدفاعية، أو الاتجاه للسندات والاستثمارات البديلة في ظل حالة عدم اليقين التي تجعل كل مستثمر يعيد النظر في محافظته ويجري تعديلات عليها”.
وفي هذا السياق، لفتت كاتبة المقال المشار إليه إلى أنه “لا يزال التنويع عبر مصادر السيولة أمراً حتمياً”، موضحة أنه أيضاً يتعين على المستثمرين مراجعة مخصصاتهم للأصول غير السائلة، فلقد تدفقت كمية كبيرة من الأموال على الائتمان الخاص والأسهم الخاصة وفئات الأصول الأخرى. مع تصاعد حالة عدم اليقين بشأن طلبات رأس المال لهذه الاستثمارات ، يجب على المستثمرين الاحتفاظ بأصول سائلة لمواكبة أي مطالب.
أثر السياسات الانكماشية
الخبير الاقتصادي بصحيفة “فاينانشال تايمز” أنور القاسم، يقول في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن:
- أزمة السيولة تدفع الأسواق إلى حالة من الانكماش والكساد قد لا يسلم منها أي قطاع من القطاعات في معظم اقتصادات العالم.
- السياسات الانكماشية الحالية تمتص السيولة من الأسواق بحجة تحقيق التوازن المالي والنقدي وتخفيض معدلات التضخم وعجز الموازنة.
- نأمل أن ما يحدث الآن هو أزمة مؤقتة قصيرة الأجل وليست طويلة.
ويضيف: “للتغلب على هذه المرحلة يتعين في مرحلة لاحقة ربما نهاية هذا العام خفض سعر الفائدة لتشجيع الاقتراض والإنفاق الاستهلاكي وزيادة وخلق فرص للعمل للتغلب على البطالة ولتحقيق دخول أفضل حتى يتم التشجيع على الاستهلاك”.
وبالنسبة للمستثمرين، يشير القاسم إلى أنه “قد يكون الائتمان التجاري قصير الأجل والتوجه لعمليات شراء مؤجلة السداد طريقاً سهلة إذا كان هناك نقص للسيولة النقدية للشراء نقداً، وهذا يعني أنه بإمكان كثير من المستثمرين والشركات تحقيق هوامش ربح مرتفعة حتى لو لم يكن لديها أصول جارية أو نقدية كافية”.
ويستطرد: “وكذلك لا بد من توافر حد أدنى من النقدية لزوم مواجهة الالتزامات واجبة السداد الفوري، وإلاَّ وقعت الشركة والمستثمرون فريسة للإعسار المالي والإفلاس”.
ويلفت في ختام حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى التعامل مع شراء المعادن الثمينة كالذهب باعتبارها احتياطياً شبه مضمون، إضافة الى الاستثماء في الأصول الثابتة كالعقارات والأصول، والبحث عن مناطق استثمارية جديدة، مع عدم المجازفة في التوسع في الاستثمار على المدة القصير، حتى تنقشع الغيوم الاقتصادية الدولية السابحة حالياً.