أزمة الحبوب.. “صدمة غذائية” مع ارتفاع أسعار القمح والأرز
تفاقمت المخاطر مع تدمير روسيا البنية التحتية لتصدير الحبوب الأوكرانية، ولا سيما بعد الهجوم الروسي على موانئ في منطقة أوديسا، وفي نهر الدانوب بأوكرانيا، ما دفع أسعار القمح للارتفاع بشكل كبير.
تزامن مع تلك التطورات بشأن اتفاقية الحبوب، والارتفاعات العالمية بأسعار القمح، قرار الهند بحظر تصدير الأرز، في ضوء تصاعد المخاوف المرتبطة بظاهرة “إل نينيو” على الإمدادات الزراعية، وهي ظاهرة مناخية عالمية، حيث يؤثر تغير الحرارة في أحد المحيطات على الجو بمنطقة أخرى بعيدة، ما حرّك أسعار الأرز نحو أقرب مستوى له منذ 10 أعوام.
دفعت تلك المعطيات صندوق النقد الدولي إلى أن يدق ناقوس الخطر؛ إذ ذكر كبير خبراء الاقتصاد لدى الصندوق النقد، بيير–أوليفييه غورينشا، في تصريحات للصحافيين، أن أسعار الحبوب مرشحة للارتفاع بنسبة بين 10 إلى 15 بالمئة بعد انهيار اتفاقية الحبوب.
اتفاق الحبوب وأهميته للعالم
– اتفاق الحبوب كان يضمن تصدير الحبوب الأوكرانية إلى العالم عبر ممر إنساني في البحر الأسود، مقابل مساعدة روسيا في نقل صادراتها من الأغذية والأسمدة إلى الأسواق العالمية.
– تم تجديد الاتفاق عدة مرات من قبل، لكن روسيا هددت مراراً بالانسحاب، مشيرة إلى أنه لم يتم تلبية مطالبها بتحسين صادراتها من الحبوب والأسمدة.
– تقول روسيا إن العقوبات الغربية لا تزال تعيق صادراتها الزراعية إضافة إلى عدم وصول كميات كافية من الحبوب إلى الدول الفقيرة، إلى أن أعلنت أخيراً عدم تجديد الاتفاق.
– بحسب بيانات الأمم المتحدة، ساعد هذا الاتفاق في تصدير 33 مليون طن من القمح الأوكراني منذ بدء تنفيذه مطلع أغسطس 2022 وحتى الشهر الجاري.
– 61 بالمئة من هذه الصادرات حصلت عليها الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفضة.
– ساعد الاتفاق في خفض أسعار الحبوب على المستوى لعالمي بنسبة 20 بالمئة.
تلخص أستاذ الاقتصاد بالقاهرة، الدكتورة وفاء علي، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” المشهد الراهن، بقولها، إن:
– وصول الحبوب إلى الدول التي تحتاجها بات أمراً أكثر صعوبة.
– أصبح خبز العالم في خطر تحت رحمة تمديد اتفاقية الحبوب من عدمه.
– أزمة الأرز جاءت لتلحق بأزمة القمح، فيما بررت الهند عدم تصدير الأرز الأبيض كنتيجة التغيرات المناخية والفيضانات.
-وضعت الهند بذلك العالم أمام خيارات محدودة “صعبة” من بينها سرعة تنويع مصادر شراء الأرز من دول أخرى، مما ألقى بظلاله على أسعار الأرز والعقود الآجلة في الحبوب بشكل أو بآخر.
صدمة اقتصادية!
في هذا الإطار، وصف الخبير الاقتصادي، الدكتور علي الإدريسي، الانسحاب الروسي من اتفاقية الحبوب بأنه “صدمة اقتصادية” تواجه الدول النامية التي تعتمد على استيراد الحبوب من الخارج، موضحاً أن السفن التي تمر من البحر الأسود عبر أوكرانيا غالبيتها تذهب إلى دول الشرق الأوسط وإفريقيا، وبالتالي الدول الفقيرة هي التي ستدفع تكلفة الصراعات.
وأضاف الإدريسي في تصريحات لـ”اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن مصر تأتي على رأس تلك الدول المتضررة من إلغاء الاتفاق، حيث تعد أكبر مستورد للقمح على مستوى العالم، لا سيما وأن الإنتاج المحلي يغطي فقط 50 بالمئة من الاحتياجات والـ 50 بالمئة الأخرى يتم استيرادها من الخارج، إضافة إلى أن نحو 80 بالمئة مما يتم استيراده من القمح من روسيا وأوكرانيا و 20 بالمئة من أسواق أخرى.
دولة أخرى توقع الخبير الاقتصادي أن تتأثر بشكل كبير بسبب الانسحاب الروسي من اتفاق الحبوب، وهي الجزائر، التي تعد أيضاً من أكبر الدول المستوردة للحبوب على مستوى العالم، مشيراً إلى أنها دولة عانت بشكل كبير من سعر صرف العملة وارتفاع تكلفة الاستيراد، إضافة إلى تأثيرات واسعة تعاني منها دول أخرى.
وأشار إلى أنه خلال الفترة الماضية وبعد القرار الروسي ارتفعت أسعار الحبوب في البورصات العالمية، إضافة إلى أن تكلفة الحصول على الغذاء بدأت تزيد، منوهاً إلى أن هذا تزامن مع تراجعات سعر صرف عديد من العملات في دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، مع ارتفاعات في معدلات التضخم وتكلفة الحصول على الطاقة، موضحاً أن ذلك ينضم إلى سلسلة من الأزمات التي تتشارك فيها عديد من الحكومات في الشرق الأوسط والأسواق الناشئة باستثناء الصين، وتسبب أيضاً ارتفاع أسعار الغذاء.
وأوضح أن هناك عوامل أخرى مشتركة بين دول إفريقيا والشرق الأوسط، من شأنها أن تؤثر على أسعار الغذاء، منها:
-تكلفة الاستيراد التي تتأثر عادة بسعر العملة.
-ارتفاع الأسعار العالمية بشكل كبير.
-هناك عديد من الممارسات الاحتكارية في دول الشرق الأوسط، فحتى لو هناك تراجع بأسعار السلع عالمياً ففي الأسواق المحلية قد لا ينعكس ذلك بشكل سريع؛ لأن معظم التجار يستغلوا تراجع الأسعار لتكوين أرباح كبيرة.
– ضعف الرقابة في ظل الممارسات الاحتكارية.
وأكد الخبير الاقتصادي أن الأمن الغذائي بالنسبة للدول هو ركن أساسي من أركان الأمن القومي، وبالتالي فإن تكلفة الحصول على الغذاء تؤثر على عجز موازناتها، ومستويات الفقر فيها، إضافة إلى حدوث تبعات سلبية لتلك الدول، وهو ما يعكس ما تنطوي عليه تبعات انهيار اتفاقية الحبوب على الأسواق وكذلك تبعات حظر الهند تصدير الأرز.
وأفاد بأن الحلول المطروحة لأزمة الحبوب أغلبها حلول طويلة الأجل منها التوسع في زراعة القمح، وهو ما يحتاج إلى فترات زمنية طويلة، مشدداً على ضرورة العمل على ذلك بالتوازي مع بدائل أخرى منها تأمين خطوط برية لنقل الحبوب من أوكرانيا عن طريق أوروبا، وفتح سبل التبادل التجاري واستيراد القمح من دول أخرى بديلة، مثلما قررت مصر على سبيل المثال التعاون مع فرنسا ورومانيا كبديل لتوريد القمح.
خطر يواجه العالم
من جانبه، قال أستاذ الاقتصاد المستشار بالبنك الدولي، الدكتور محمود عنبر، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن هناك خطراً واسعاً يواجه العالم في ظل صمته أمام استخدام العقوبات الاقتصادية كأحد أدوات الصراع، واصفاً ذلك بـ “الكارثة الكبرى”.
وأشار إلى أن اتفاق الحبوب لم يكن الموقف الروسي الوحيد الذي أربك العالم واستخدمته موسكو كورقة ضغط للتخلص من العقوبات المفروضة عليها، ذلك أنها كانت قد لوحت أثناء فصل الشتاء باستخدام سلاح الطاقة، وأن ما فعلته موسكو كان رد فعل على العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من الغرب بناء على عدم التراجع عن تلك العقوبات لتصر على الانسحاب.
ولفت إلى أن هناك محاولات تركية للوساطة من أجل التوصل إلى تسوية ومن ثم عودة العمل بمبادرة الحبوب في البحر الأسود، مستبعداً أن تكون لتلك المحاولات أي تأثير ما لم يتدخل الطرف الغربي ويتراجع عن فرض العقوبات على روسيا. كما أكد أن أي وساطة هي مجرد مسكنات (حلول وقتية) لن تُظهر جذرية نتيجة في هذا الإطار لأن الأمر يحتاج إلى تدخل أممي وحل الأمر من جذوره.
كما أشار أيضاً إلى أن تنويع مصادر الاستيراد بالنسبة للدول المستوردة للحبوب هو مجرد حل نظري أكثر من واقعي، موضحاً أن فكرة الوصول لمستورد بديل في سلعة المعروض منها منخفض أمر ليس بالسهل، فهذا النقص مع زيادة الطلب يؤديان في النهاية لارتفاع أسعار الغذاء.
وأوضح مستشار البنك الدولي أن الصراعات لم تؤثر فقط على أطرافها أو على أسعار الحبوب، لكن هناك تأثيرات أخرى خاصة على دول العالم النامية التي تتأثر بصورة أكبر، مشدداً على أن ذلك يستدعي وجود اتفاقية ملزمة تحت مظلة الأمم المتحدة تجرم استخدام العقوبات الاقتصادية وتحديداً تلك التي تتصل بالسلع الغذائية والزراعية وسلاح الطاقة في أي صراع استراتيجي.
اتجاهات الأسعار
وحول اتجاهات أسعار الحبوب والغذاء على المستوى العالمي خلال الفترة المقبلة، توقع مستشار البنك الدولي، أن ترتفع بشكل أكبر خاصة في ظل ارتفاع نسب التضخم بسبب الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة، مشيراً إلى أن القرار الروسي الأخير واستمرار حالة اللايقين بالاقتصاد العالمي واستخدام العقوبات الاقتصادية سيؤدي ذلك كله لارتفاع تكلفة نقل الشاحنات والسفن والتأمين عليها ما ينعكس على أسعار السلع.
أما عن إمكانية ضبط الأسعار بالأسواق المحلية، فقال إنه لا يمكن لأية حكومة ضبط الأسعار، خاصة وأن مصدر التضخم ليس داخلياً، فالأسواق تعاني من تضخم مستورد.
وأكد أن الحل الوحيد لتجنب تضخم الأزمة هو سرعة تحرك الدول النامية من خلال مندوبيها في الأمم المتحدة -وعلى رأسها مصر كمتحدث عن أفريقيا والعالم النامي- وتصعيد الأمر بمطالبة الأمم المتحدة بجلسة طارئة لوضع حد لما يقوم به أطراف الصراع روسيا والصين من جانب وأوروبا والولايات المتحدة الأميركية من جانب، منوهاً إلى أنه صراع سيؤدي إلى هلاك العالم الذي بات معرضاً إلى أزمة غذاء واسعة، تنضم إلى الأزمات الأخرى التي يعاني منها العالم ولابد من الانتباه إليها، لاسيما أن الأمر أصعب وأخطر وهناك أجيال مستقبلية قد تتعرض إلى مجاعات، لذا لابد من اتفاقية ملزمة تجرم من استخدام سلاح الغذاء أو سلاح الطاقة في هذه الصراعات.
تأثير حظر تصدير الأرز
وفي السياق، وفيما يتعلق بحظر الهند تصدير الأرز، أشار مدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية، الدكتور بلال شعيب، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن القرار الهندي له أهداف اقتصادية كتأمين احتياجات شعبها وتحقيق الاكتفاء الذاتي، ومن جانب آخر زيادة الربحية، حيث تسعى لتحقيق أقصى استفادة باتباع استراتيجية حجب الإنتاج المؤقت لرفع الأسعار ومن ثم بيع المحصول المتوفر لديها.
وفي ضوء ذلك، توقع أن تشهد الفترة المقبلة ارتفاعات أوسع في أسعار الأرز ما لم يحدث توافق ويقظة للضمير الدولي العالمي وخارطة طريق للخروج من تلك الأزمة، على حد وصفه.
وفيما يتعلق باتفاقية الحبوب، أوضح أن روسيا وأوكرانيا دولتان مهمتان لتصدير الحبوب (..)، لافتاً إلى أن دول الصراع تحاول الضغط اقتصادياً على العالم لتحقيق مكاسب، وبالتالي فإن انحسار المعروض من السلع يؤدي لارتفاع أسعارها، لذا لابد من إيجاد وسيلة لوجود ممر مائي آمن لتبادل السلع حول العالم، برعاية الأمم المتحدة وتركيا التي حضرت الاتفاقية الخاصة بالحبوب من بدايتها.