أزمات مُتكررة تضرب سوق السجائر في مصر
وتفاقمت أزمة سوق السجائر على نحو واسع، في سياق وجود أكثر من سعر لبيع السجائر للمستهلك، على حسب المنطقة والمتجر، فضلاً عن اختفاء عدد من الأصناف المعروفة، الأمر الذي فتح الباب أمام سوق سوداء للسجائر في مصر خارج السوق الرسمية، وبأسعار مبالغ فيها.
وفيما يتبادل عدد من الأطراف ما بين التُجار وبائعي الجملة والتجزئة الاتهامات، فإن ملايين المستهلكين لا يزالون مُحملين بفاتورة باهظة للسجائر، ما دفع إلى نشاط دعوات عبر مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي للإقلاع عن التدخين أو تقليل الاستهلاك في مواجهة هذه الأزمة التي تضرب السوق.
وطبقاً لأحدث البيانات المتوفرة الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، حول التدخين، فإن:
- 8 بالمئة من إجمالي السكان (من 15 سنة فأكثر) مدخـنون.
- حوالي 18 مليون نسمة يدخنون، غالبيتهم من الذكور، وفق مسح الدخل والإنفاق والاستهلاك 2021/2022.
- الفئة العمرية من 35 إلى 44 سنة، هي أعلى نسبة مدخنين في مصر.
وأنفق المصريون، على تدخين السجائر، 17 مليار جنيه، خلال العام المالي الماضي 2021 – 2022، حسبما كشفت وثيقة رسمية للشركة الشرقية للدخان، وهو رقم يزيد بنسبة 7 في المئة على العام الذي سبقه.
وكانت تقارير محلية قد ذكرت أنه خلال التسعة أشهر الأولى من العام المالي الحالي 2022-2023 (من يوليو 2022 حتى نهاية مارس 2023) بلغ إنفاق المصريين على السجائر والدخان 55 مليار جنيه.
أبرز الأسباب
حدد رئيس الشعبة العامة للدخان في مصر، إبراهيم إمبابي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، ثلاثة عوامل أساسية بوصفها السبب الرئيسي وراء أزمة السجائر في مصر حالياً، وهي:
- جشع التجار (في إشارة لرفع التُجار أسعار السجائر في السوق المحلية بزيادات متفاوتة وهامش ربح مبالغ فيه دون سعرها الأصلي).
- عدم معرفة المستهلك لحقوقه (وقد سبق أن دعا في هذا السياق المستهلكين إلى ضرورة الإبلاغ في حالات التلاعب بالأسعار).
- تباطؤ وزارة المالية في إقرار الزيادات المتفق عليها قبل ثلاثة أشهر، في حدود 1.5 و 2 جنيهاً.
وأفاد بأن هناك تعديلاً ضريبياً في الميزانية الجديدة، مرتبطاً بالسجائر تم الاتفاق عليه قبل ثلاثة أشهر مع وزارة المالية، يتضمن زيادة أسعار السجائر من جنيه ونصف إلى جنيهين اثنين، ولم يتم الإعلان عنه رسمياً”.
وأشار إلى أن التجار يدركون أن هناك زيادة قادمة في الأسعار -بعد اتفاق الشعبة مع المالية في هذا السياق- وبالتالي يقومون -وقبل الإعلان رسمياً عن الزيادات- بزيادة الأسعار من تلقاء أنفسهم وبنسب متفاوتة، ولو كان القرار قد تم إعلانه رسمياً لم تكن تحدث تلك الأزمة الحالية.
ورهن رئيس الشعبة العامة للدخان في مصر، انفراج أزمة أسعار السجائر والزيادات المبالغ فيها أحياناً من قبل بعض التجار، بالإعلان رسمياً عن الضريبة الجديدة وبما تقره من زيادات مُحددة.
- آخر الزيادات الرسمية المسجلة بالنسبة لأسعار السجائر كانت في شهر مارس الماضي، وذلك من خلال الشركة الشرقية للدخان، والتي أعلنت عن رفع أسعار عدد من الأصناف بزيادات متفاوتة من جنيه إلى ثلاثة جنيهات للعبوة الواحدة بالنسبة للسجائر المحلية.
- بينما كانت آخر زيادة بالنسبة للسجائر الأجنبية في شهر أبريل الماضي.
- وخلال السنة المالية الحالية تستهدف الحكومة المصرية حصيلة ضرائب تصل إلى 86 مليار جنيه من التبع والدخان.
أزمة مفتعلة
من جانبه، أشار الخبير الاقتصادي، الدكتور أشرف غراب، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن أزمة السجائر في مصر مفتعلة نتيجة تلاعب التجار بأسعارها في الأسواق والتسعير بسعر أعلى من السعر الرسمي المكتوب على كل علبة، وهذا أدى إلى وجود سوق سوداء للسجائر نتيجة ضعف الرقابة في الأسواق عليها، ما أدى إلى قيام بعض التجار بتخزين كميات كبيرة من السجائر بغرض الاحتكار، الأمر الذي أدى إلى شحها في الأسواق وبالتالي التحكم في الكميات لديهم والتحكم في رفع سعرها.
وأوضح أن الحل أمام المواطن والمستهلك أن يتقدم بشكاوى في المحال وأماكن البيع التي تبيعها بسعر أعلى من السعر الحقيقي الرسمي المدون على العلبة، وذلك من خلال الرقم المدون على كل علبة وهو الخط الساخن أو رقم جهاز حماية المستهلك، أو امتناعه عن شرائها ما يؤدي إلى نزول سعرها، حتى لا تزيد الأزمة ويصبح المستهلك مشاركا فيها بمساعدته التجار على الاستغلال والاحتكار والتحكم في السعر.
وتابع غراب: السعر الرسمي للسجائر لم يزد بالفعل، ولكن ما حدث أنه حينما علم التجار بمناقشة مشروع قانون وإصدار قرار بتعديل التعريفة لضريبة القيمة المضافة للسجائر والذي لم يطبق حتى الآن، ولكنه سيطبق مع السنة المالية الجديدة والتي تكون فيها الزيادة نحو جنيهين اثنين على الأكثر، أسرع التجار في الأزمة وقاموا بتخزين السلعة ورفع أسعار السجائر في الأسواق ما تسبب في صنع أزمة، رغم أن شركات إمداد الأسواق بالسجائر تعمل بشكل طبيعي ولا يوجد نقص في العرض، لكن النقص مفتعل من التجار بالتخزين.
ولفت إلى أنه اذا استمرت الأزمة، وبعد تطبيق السعر الجديد للسجائر في يوليو القادم، واستمر التجار في رفع سعر السجائر كما هو اليوم، سيعود ذلك على المستهلك بخسائر كبيرة، موضحا أن التجار يبيعون السجائر الشعبية (الأكثر تداولاً) بزيادة قدرها 15 جنيهاً على حسب أهوائهم..
حملات رقابية
وتنشط في مصر حملات رقابية محدودة على المحال والمتاجر، من جانب مديريات التموين في أكثر من محافظة، وقد أسفرت عن ضبط عدد من المخالفات في سياق بيع السجائر بأزيد من تسعيرتها الرسمية، وكذلك في مجال بيع السجائر المهربة ومجهولة المصدر، ضمن محاولات لضبط السوق.
وكان جهاز حماية المستهلك قد أعلن في وقت سابق من العام الماضي، عن خطة هادفة لتعميم “الباركود” على كل أنواع السجائر المختلفة، بعد الشكاوى المتكررة من قبل المواطنين بخصوص ارتفاع أسعار السجائر واحتكارها من قبل بعض التجار بغرض رفع السعر.
من جانبه، أشار الخبير الاقتصادي الدكتور سيد خضر، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى عددٍ من الاعتبارات، على النحو التالي:
- في فترات الأزمات الاقتصادية وارتفاع الأسعار عادة ما يتعين ترتيب الأولويات لصالح كفاية السلع الأساسية والعزوف عن السلع غير الأساسية أو التقليل من استهلاكها.
- يلجأ المستهلكون عادة إلى تحقيق التوازن المطلوب في الطلب والاستهلاك، مع إعطاء الأولوية للسلع الأساسية المرتبطة بالغذاء على سبيل المثال.
- زيادة أسعار السجائر على ذلك النحو قد تدفع إلى تقليل الطلب، سواء بعزوف المدخنين ولجوء البعض إلى الإقلاع عن التدخين، أو تقليل الاستهلاك اليومي من السجائر.
وأضاف: “تبعاً لذلك، فإنه من المتوقع أن تشهد السوق حالة من الركود، في ضوء هذا الارتفاع الحالي في الأسعار، وبما ينعكس على الشركات والتجار، الأمر الذي قد يدفع لاحقاً إلى إعادة النظر في التسعير من جانبهم.
وشدد على أن المشكلة الحقيقية هي عدم وجود رقابة حقيقية لمتابعة الأسعار والتأكد من عدم المبالغة فيها، وبالتالي فإن أكثر ما يدفع إلى تفاقم أزمة زيادة الأسعار عموماً هو غياب الرقابة، والسجائر هي مثال ضمن عديد من الأمثلة الأخرى المرتبطة بمختلف السلع الأساسية والكمالية التي تعرف زيادات مبالغ فيها.
وحذر من أن غياب الرقابة في ضوء ارتفاع الأسعار على ذلك النحو بالنسبة لعديد من السلع من شأنه أن يُفقد المستهلك ثقته في السوق.