هل ترد روسيا على العقوبات الغربية بتأميم الشركات الأجنبية؟
وفيما استبعد خبراء اقتصاد في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” توجه موسكو في المرحلة الحالية لتأميم الشركات الأجنبية العاملة في روسيا معتبرين أن هذه الإجراءات التي يتخذها الرئيس الروسي تأتي رداً على العقوبات الغربية إلى جانب كونها أداة للمناورة السياسة، أكدوا في المقابل أن روسيا سوف تقوم بتأميم جميع الاستثمارات الغربية في حال رفضت الدول الغربية تحرير الاستثمارات الروسية المجمدة بمجرد انتهاء الصراع.
وأصدر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مؤخرا مرسوماً يسمح للمستثمرين الروس “مبادلة” أصولهم المجمدة في الخارج بأخرى تابعة لشركات أجنبية مجمدة في روسيا، في حين وقع بوتين في أغسطس الماضي قانونا يسمح باستبعاد المشاركين الأجانب من الدول غير الصديقة من هيكل ملكية الشركات والبنوك الروسية المهمة.
وفي يوليو الماضي وضعت روسيا يدها على الشركات المحلية التابعة لشركة “دانون” الفرنسية إضافة إلى شركة “كارلسبرغ” لصناعة البيرة، وذلك بعد أشهر من فرض الإجراء نفسه على شركتي “يونيبر” الألمانية و”فورتوم” الفنلندية.
وفي مارس الماضي كانت موسكو قد كشفت عن موافقة على خطوة أولى لتأميم الشركات الأجنبية التي غادرت روسيا، حيث قال حزب “روسيا الموحدة”، الحاكم في روسيا، إن لجنة حكومية وافقت على الخطوة الأولى نحو تأميم ممتلكات الشركات الأجنبية التي تغادر البلاد، وأضاف الحزب بحسب “رويترز” أن اللجنة الحكومية المعنية بنشاط سن القوانين تدعم مشروع قانون يسمح بضم الشركات التي يمتلك فيها الأجانب من “الدول غير الصديقة” أكثر من 25 بالمئة إلى إدارة الخارجية، لمنع إفلاسها وإنقاذ الوظائف.
كما وقع الرئيس الروسي في مارس الماضي قانوناً يسمح لشركات الطيران الروسية بالسيطرة على طائرات أجنبية مستأجرة، حيث تعتمد الخطوط الجوية الروسية بشكل كبير على تأجير طائرات من إيرباص وبوينغ، ولدى الناقلات الروسية 980 طائرة ركاب في الخدمة، 777 منها مستأجرة، من بينها 515 طائرة تقدر قيمتها السوقية بنحو 10 مليارات دولار مستأجرة من شركات أوروبية وأميركية.
وكانت عشرات من الشركات الغربية قد انسحبت من روسيا بعد الحرب أو باعت أصولها هناك لتجنب التعرض لعقوبات.
إعادة الكرة الى ملعب الدول الغربية
وفي حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” يقول كبير استراتيجي الأسواق في “BDSwiss MENA”، مازن سلهب: “من المستبعد أن يكون هدف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التأسيس لعمليات تأميم الشركات الأجنبية في روسيا والتي أغلقت أعمالها أو قامت ببيعها إلى شركات محلية روسية بعد بدء الحرب الروسية الأوكرانية وفرض الدول الغربية (أوروبا وأميركا) عقوبات مالية واقتصادية قاسية على الاقتصاد الروسي وصادرات النفط والغاز وحتى التحويلات المالية”.
لكن قرار الرئيس بوتين بمبادلة الأصول الروسية المحتجزة في الخارج مع أصول أجنبية داخل روسيا فيه تعقيد أكثر من كونه حل لمشكلة أصول المستثمرين الروس المجمدة في الخارج، وهذا يشمل المعايير القانونية والتنفيذية في تقييم قيمة الأصول الروسية والأجنبية معاً ناهيك عن الاتفاق النهائي على سعر صرف للروبل حتى يعطي قيمة عادلة لمن هم داخل روسيا بعد أن خسر الروبل الروسي 55 بالمئة من قيمته مقابل الدولار الأميركي في عام كامل ويتداول حالياً عند 92 روبل لكل دولار ولايزال متراجعاً 30بالمئة تقريباً منذ بداية العام الجاري، بحسب سلهب.
ويشرح سلهب أن ما يجري حالياً يشير بوضوح إلى أن الرئيس بوتين يحاول إعادة الكرة الى ملعب الدول الغربية بعد أن نجح نسبياً في امتصاص تأثير الحرب الاقتصادية والعقوبات، لافتاً إلى أن خام الأورال على سبيل المثال وهو المعيار العالمي للنفط الروسي خسر 12 بالمئة من قيمته في عام لكنه لايزال يتداول حالياً عند 69 دولاراً تقريباً للبرميل وهو أعلى من سقف السعر الذي حدده الغرب لشراء النفط الروسي عند 60 دولاراً للبرميل.
أصول الشركات أداة روسية للمناورة السياسة
كما أن التوقيت مهم للغاية في وقت تعيش فيه منطقة اليورو انكماشاً وتراجعاً اقتصادياً واضحاً واقتراب الشتاء الذي لا نعرف ما مدى شدته أو قسوته بعد لأن الشتاء القارس الأوروبي سيجعل من الطلب على الغاز أعلى وأسعار مرتفعة أكثر وهذا ليس جيداً أبداً وخاصةً للمستهلك الأوروبي الذي يبدو أن معنوياته تتغير الى مزيد من التشدد السياسي عموماً والميل التدريجي الى أحزاب سياسية أكثر شعبوية.
ويرى كبير استراتيجي الأسواق في “BDSwiss MENA”، أن هذا ليس انتصاراً لروسيا، لكن من الواضح أن الأصول الأجنبية في روسيا تصبح أدوات للمناورة السياسة والحصول على تنازلات لاحقاً وفقاً لتطور الحرب الدائرة حالياً.
الرد بالمثل
بدوره، يقول الدكتور ممدوح سلامة خبير الاقتصاد والنفط العالمي “منذ بدء النزاع في أوكرانيا وضعت الدول الغربية يدها على استثمارات روسيا عندها وجمدت أصولاً مالية لمستثمرين روس إضافة إلى مصادرة ما يساوي 300 مليار دولار تخص البنك المركزي الروسي متواجدة في البنوك الغربية، لرد روسيا بالمثل وتوضع يدها على استثمارات وأصول مجمدة تخص شركات ومواطنين غربيين وفرضت على شركات النفط والغاز الغربية التي قررت الانسحاب من روسيا في أعقاب النزاع تحت ضغط العقوبات المفروضة على روسيا بيع استثماراتها بأسعار بخسة إلى الحكومة الروسية، ليأتي الآن الرئيس الروسي ويوقع على قانون يسمح للمواطنين الروس بمبادلة أصولهم المجمدة في الخارج بأخرى تابعة لشركات أجنبية مجمدة في روسيا”.
ويضيف الدكتور سلامة في تصريح خاص لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “عندما فُرض على شركات الغاز والنفط الغربية الانسحاب من روسيا ظنت الدول الغربية أنها بعملها هذا ستتوقف هذه المشاريع وخصوصاً في منطقة المحيط المتجمد الشمالي التابعة لروسيا، لكن موسكو تتملك التكنولوجيا والمصادر المالية للمضي قدماً في هذه المشاريع”.
بانتهاء الصراع تتوضح نوايا التأميم
وعلى الرغم من كل العقوبات غير المسبوقة على روسيا استطاع الاقتصاد الروسي أن يتغلب على عليها كما استطاعت صادرات الغاز والفحم والنفط الروسية أن تُنشئ أسواقاً جديدة لها وتكسر كل الأرقام القياسية السابقة، وفقاً للدكتور سلامة الذي أكد أن الخاسر الأكبر من هذه العقوبات لم تكن روسيا بل الدول الغربية التي فرضتها وهو ما يظهر جلياً في أرقام النمو الاقتصادي والذي يتوقع أن يصل في الاتحاد الأوروبي إلى 0.4 بالمئة هذا العام و0.5 بالمئة في عام 2024 فضلاً عن أن اقتصاد الولايات المتحدة ينمو بنسبة 1.8 بالمئة، ما يعني أن العقوبات فشلت فشلاً ذريعاً في تقويض الاقتصاد الروسي وانهياره بحسب وصف سلامة.
ويخلص خبير الاقتصاد والنفط العالمي الدكتور سلامة إلى أنه في هذه المرحلة، لا يتم تأميم الاستثمارات من كلا الجانبين، بل تجميدها، بينما إذا رفضت الدول الغربية تحرير هذه الاستثمارات بمجرد انتهاء الصراع، فسوف تقوم روسيا بتأميم جميع الاستثمارات الغربية، بمعنى أنه لا يمكن أن نسمي هذه الإجراءات حالياً تأميماً.