لماذا تعود أسعار النفط لكسر الـ 90 دولاراً للبرميل؟
وثمة عديد من المعطيات التي يتعين أخذها في الاعتبار لدى تحليل أسعار النفط وأسباب عودتها للارتفاع ومستقبل الأسعار حتى نهاية العام الجاري، أوردها تقرير لصحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، الجمعة، على النحو التالي:
- ساعدت الظروف الاقتصادية الأفضل من المتوقع في الاقتصادات الكبرى المستهلكة للطاقة مثل الولايات المتحدة الأميركية على تحقيق أرقام قياسية جديدة للطلب العالمي على النفط في العام 2023.
- من المتوقع أن يستهلك العالم كمية غير مسبوقة تبلغ 101.8 مليون برميل يومياً هذا العام.
- كما أدت الجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية وروسيا لتحقيق الاستقرار في أسواق النفط من خلال قرارات الخفض الطوعية لزيادة الدعم.
الأسبوع الماضي، أعلنت السعودية وروسيا تمديداً جديداً لتخفيضات الإنتاج الطوعية، ليمتد أجل الخفض البالغ 1.3 مليون برميل يوميا إجمالا لثلاثة أشهر أخرى حتى نهاية ديسمبر 2023.
- أعلنت وزارة الطاقة السعودية أنها ستواصل خفض إنتاجها النفطي بمقدار مليون برميل يوميا “لمدة ثلاثة أشهر إضافية”، حتى نهاية 2023.
- كما أعلنت روسيا الاستمرار في خفض صادراتها النفطية بمقدار 300 ألف برميل يوميا حتى نهاية العام الجاري 2023، حسبما أعلن نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك.
بحسب المحلل في مجموعة أوراسيا في واشنطن، رعد القادري، فإن صمود معدلات الطلب على النفط (الطلب القوي) والإدارة الفعالة للغاية للإمدادات من قبل السعودية ومنظمة أوبك (خفض الإنتاج)، عوامل تسببت في دعم كبير بالسوق منذ شهر يونيو الماضي”.
- أبقت وكالة الطاقة الدولية على توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط خلال العام الجاري دون تغيير. وذكرت الوكالة في تقرير لها، الأربعاء، أن توقعاتها لنمو الطلب العالمي على الخام بقيت دون تغيير عند 2.2 مليون برميل يوميا.
- كما أبقت الوكالة على توقعات نمو الطلب على النفط خلال العام 2024 عند مليون برميل يوميا، وذلك مع تبدد تأثير تعافي الاقتصاد الصيني وزيادة استخدام السيارات الكهربائية.
أسعار النفط
تحدد سعر التسوية لخام القياس العالمي برنت عند 93.70 دولاراً للبرميل الخميس، مرتفعاً أكثر من 25 بالمئة منذ يونيو. فيما استقر خام غرب تكساس الوسيط الأميركي عند 90.16 دولاراً. وقد وصل كلاهما إلى أعلى مستوياتهما في العام الجاري.
من جانبه، يشير الخبير في أسواق الطاقة تيري بروس، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أنه بالعودة لكسر مستوى الـ 90 دولاراً للبرميل مرة أخرى، من المتوقع أن تقفز الأسعار إلى مستوى الـ 95 دولاراً قريباً (..)، مردفاً: “وبعد ذلك سوف تمضي السوق خطوة بخطوة، ربما يمكن الوصول إلى كسر الـ 100 دولار دون وضع العالم في حالة ركود”، وذلك في ظل ارتفاع الطلب على النفط.
تتسق تلك التقديرات مع توقعات العديد من المحللين، الذين توقعوا تجاوز سعر النفط حاجز 100 دولار في الأسابيع المقبلة؛ بسبب الطلب القوي وقلة الإمدادات ونقص الأدوات المتاحة للإدارة الأميركية للحد من الأسعار.
وبحسب الصحيفة البريطانية التي نقلت عن المحلل في شركة Enverus Intelligence Research، آل سالازار، قوله إن “الطلب العالمي على النفط بلغ مستويات قياسية.. لم نستخدم هذا القدر من قبل قط.. بينما أوبك تخفض الإنتاج في مواجهة ذلك.. المكون الثالث هو النفط الخام ومخزونات المنتجات منخفضة نسبياً.. وبالتالي فإن الحسابات البسيطة تعني 100 دولار لخام برنت”.
إمدادات النفط
من جانبه، يقول الكاتب البريطاني المتخصص في أسواق الطاقة، باتريك هيرين، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن أسعار النفط ترتفع لأسباب واضحة تتعلق بالعرض والطلب، مشدداً على أنه تتم إدارة إمدادات النفط الخام بشكل فعال من قبل منظمة أوبك بلس (المملكة العربية السعودية وروسيا بشكل أساسي).
ويضيف: “أصبح منتجو النفط الصخري في الولايات المتحدة أكثر انضباطاً بكثير مما كانوا عليه من قبل، ويركزون على إعادة القيمة إلى مستثمريهم.. وقد استخدمت حكومة الولايات المتحدة بالفعل الكثير من الاحتياطي النفطي الاستراتيجي، وبالتالي ليس لديها مجال كبير لخفض الأسعار”.
ومن ناحية الطلب، فإن القوة غير المتوقعة للاقتصادات الغربية تدفع الطلب العالمي على النفط إلى مستوى قياسي هذا العام، وربما يقترب من 102 مليون برميل يوميا، وفق هيرين.
وكانت وكالة الطاقة الدولية، قد أفادت بأن تمديد تخفيضات الإمدادات من جانب أوبك+ حتى نهاية العام 2023 سيتسبب في عجز كبير في السوق خلال الربع الرابع، رغم الإبقاء على تقديراتها لنمو الطلب هذا العام والعام المقبل.
ومن جهة أخرى، ذكرت وكالة الطاقة الدولية إن مخزونات النفط العالمية المرصودة انخفضت بواقع 76.3 مليون برميل إلى أدنى مستوى في 13 شهرا خلال أغسطس الماضي.
ماذا يعني ارتفاع أسعار النفط بالنسبة للاقتصاد؟
بالنسبة للاقتصادات، تثار مخاوف من أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى ارتفاع معدلات التضخم مرة أخرى، الأمر الذي يهدد بعرقلة نجاح السياسات التي قادها بها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي للسيطرة على الأسعار في الوقت الذي بدا فيه أنها بدأت تؤتي ثمارها.
وكان ارتفاع أسعار البنزين مسؤولاً في المقام الأول عن ارتفاع أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة بنسبة 3.7 بالمئة على أساس سنوي في أغسطس، مقابل ارتفاع بنسبة 3.2 بالمئة في يوليو، وفقاً للبيانات الصادرة هذا الأسبوع عن مكتب إحصاءات العمل.
وبحسب “فاينانشال تايمز”، لقد تبنت صناعة النفط الصخري في الولايات المتحدة، التي كانت معروفة ذات يوم بإنفاقها المحموم على الحفر، نهجاً أكثر حذراً في التعامل مع النمو تحت ضغط من وول ستريت. وهي تفضل الآن إعادة الأموال النقدية إلى المساهمين في شكل توزيعات أرباح وإعادة شراء أسهم بدلاً من ضخ كميات أكبر من النفط.
هل فقد الفيدرالي السيطرة؟
في أحدث مقال له، يقول خبير الاقتصاد وأسواق المال المخضرم، بيتر شيف إن “الاعتقاد الخاطئ هو أن بنك الاحتياطي الفيدرالي نجح في السيطرة على التضخم. إن الانخفاض السريع من أعلى مستوياته 9.1 بالمئة ليس بأي حال من الأحوال نتيجة لسياسة نقدية ناجحة”.
وأوضح شيف أن السبب في ذلك يرجع إلى انخفاض أسعار النفط. وحتى انخفاض أسعار النفط لم يكن استجابة لظروف السوق لأنه لم يكن قائما على انخفاض الطلب. ولكن كان نتيجة لزيادة العرض من قبل حكومة الولايات المتحدة، التي باعت احتياطيات البلاد الاستراتيجية من النفط.
وفي هذا السياق، انهارت أسعار النفط بنحو 50 في المئة. لكن منذ أن وصلت الأسعار إلى أدنى مستوياتها في مايو، عادت وارتفعت بالفعل بنسبة 37 بالمئة. ولا عجب في ذلك، لأن احتياطيات النفط الأميركية قد وصلت بالفعل إلى أدنى مستوياتها منذ 40 عامًا.
وهذا يعني أن التضخم سيصبح حتما تحت رحمة أسعار النفط، والتي لم تعد الولايات المتحدة قادرة على التحكم بها بشكل مصطنع.
وفي الوقت نفسه، أصبح الأميركيون مثقلين أكثر فأكثر بارتفاع أسعار الفائدة، كما يقول شيف.
وبحسب شيف، التفسير بسيط: يتعين على الشركات الأميركية أن تعيد تمويل ديونها المتراكمة بأسعار فائدة أعلى. وبالطبع يجب تمرير هذه التكاليف إلى المستهلكين.
وقال شيف إن هذا المزيج من ارتفاع أسعار الطاقة وأسعار الفائدة المرتفعة هو الذي يمنع التضخم من الهبوط إلى المستوى الذي يستهدفه بنك الاحتياطي الفيدرالي بنسبة 2 بالمئة، كما يمنع أسعار الفائدة من الانخفاض.
“الجميع ينتظر أن يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة لأنه لا توجد طريقة يمكن للاقتصاد من خلالها البقاء على قيد الحياة دون خفض أسعار الفائدة”
ويرى شيف أن الاحتياطي الفيدرالي لن يتمكن بعد الآن من خفض أسعار الفائدة إلى الصفر واعتماد تدابير جديدة للتيسير الكمي. لأنه لو حدث ذلك لكان سقوط الدولار مؤكداً.