تعرف على تجربة أول رائد فضاء من ذوي الإعاقة مع انعدام الجاذبية
- ريبيكا موريل
- مراسلة الشؤون العلمية بي بي سي
يعدّ جون ماكفال أول رائد فضاء من ذوي الإعاقة تختاره وكالة الفضاء الأوروبية لدراسة تجربة شخص معاق جسديا في الفضاء.
ورافق فريق من بي بي سي ماكفال في رحلة طيران تنعدم فيها الجاذبية، حيث عايش تجربة انعدام الوزن لأول مرة في حياته.
وفي داخل الطائرة، بدا ماكفال مستلقيا على أرضية الطائرة حيناً، وحينا آخر بدا طافياً، لكنه كان لا يزال محافظا على الوضعية الأفقية، فيما بدا وكأنه يحلّق باتجاه السقف.
وبدا الذهول ظاهرا على ماكفال – تماما كأي شخص في مثل هذه الرحلة الاستثنائية، مع الارتفاع في الهواء والشعور بفقدان الوزن وانعدام الجاذبية.
يشعر المرء بأنه خارج تماما عن السيطرة – لأنه يكون كذلك بالفعل؛ فأيّ حركة صغيرة في مواجهة شيء صلب تجعلك تدور في داخل المقصورة الطائرة مرتطما بالجدران وبالأشخاص في داخلها.
وانفرجت أسارير ماكفال، وبدأ يضحك ويقول “إنها لتجربة رائعة ومدهشة”.
ثم فجأة يذهب انعدام الوزن، ويسقط على أرضية المقصورة.
ويعدّ جون ماكفال مرشحا مختلفا لريادة الفضاء – كونه مبتور الساق.
فعندما كان ماكفال في الـ 19 من عمره، فقدَ ساقه في حادث دراجة نارية، وهو الآن يعتمد على ساق صناعية بديلة.
والآن، وقع اختيار وكالة الفضاء الأوروبية على ماكفال للمشاركة في دارسة ريادية تبحث تذليل سُبل ارتياد الفضاء أمام ذوي الإعاقة الجسدية.
ويقول ماكفال: “علمتُ أن وكالة الفضاء الأوروبية أعلنت أنها تبحث عن رائد فضاء من ذوي الإعاقة. وقد طالعتُ المواصفات المطلوبة في هذا الشخص وقلت في نفسي ‘يا للحظ، إن المواصفات تنطبق عليّ – سأمضي قُدما على هذه الطريق'”.
واعتاد جون ماكفال أن يتحدّى نفسه. وبعد أن فقد ساقه تعلّم كيف يمشي على ساق صناعية، ثم قرّر أن يمارس رياضة العدو – على سبيل المرح في البداية، قبل أن يتجه إلى المسابقات الدولية. وكان أن حصد بالفعل ميدالية برونزية في سباق 100 متر عدو بدورة الألعاب البارالمبية التي استضافتها بكين في عام 2008.
ثم قرر ماكفال أن يصبح طبيبا، وهو الآن يعمل طبيبا مساعدا في علاج الصدمات وتقويم العظام بمقاطعة هامبشاير جنوبي إنجلترا.
لكن ماكفال الآن مضطر إلى تعليق ممارسة مهنة الطب، بعد أن هيّأت وكالة الفضاء الأوروبية الفرصة أمامه لكي يكون رائد فضاء، وهي فرصة أكبر من أن تُهدر من وجهة نظره.
يقول ماكفال: “إنني أتبع قلبي وفضولي وشغفي للمعرفة والحياة”.
ورافقت مراسلة بي بي سي ريبيكا موريل، جون على متن طائرة مُعدّة خصيصاً لمعايشة تجربة انعدام الجاذبية.
وتقول موريل “عندما أخذتْ الطائرة في الصعود، بدأنا نشعر بالجاذبية بقوة شديدة -ضِعف الشعور المعتاد- عندما يكون الجسم بالكامل منجذبا إلى الأرض. ولكن عندما جلعتْ الطائرة تتخذ مسار الهبوط الرأسي، كانت لحظات فقدنا فيها الشعور بأوزاننا لنحو 20 ثانية.”
وتوضح موريل: “لا يعني ذلك أن الجاذبية اختفت، كنا لا نزال طبقا لقوانين الطبيعة نحتفظ بأوزاننا، ولكننا كنا في تلك اللحظة نعاين سقوطا حراً مع الطائرة التي تحملنا في جوفها. وجعلت الطائرة تُعيد هذه الكَرّة بالصعود ثم الهبوط الرأسي مرّة تلو الأخرى.
ويعدّ هذا أحد أسباب اشتهار تجربة انعدام الجاذبية بتسبّبها في الغثيان- تماما كما هي الحال في أراجيح الملاهي الدوّارة.
واستطاع ماكفال أن يتعايش مع أوضاع التجربة بشكل أفضل من آخرين كانوا معه في نفس الطائرة، وكان يكتسب ثقة في كل لحظة من لحظات انعدام الجاذبية.
وتُعدّ الساق الصناعية التي يرتديها ماكفال بالغة التعقيد من الناحية التقنية؛ حيث تشتمل على دائرة كمبيوتر ومكونات هيدروليكية وجيروسكوب ومقياس تسارع، وغير ذلك.
ويقول ماكفال: “كل تلك المكونات تجعل الرُكبة تعرف موقعها من الفراغ وكيف ومتى تنحني وتستقيم”.
أراد ماكفال أن يقف على مدى قدرة هذه الساق الصناعية على التعامل مع هذه البيئة غير الاعتيادية، وكان التحدّي في لحظة انعدام الجاذبية والوزن.
ويقول ماكفال: “ربما شاهدتم كيف أطفو بينما ساقي مستقيمة، لأنه لا توجد جاذبية. وعندها يكون من الصعب أن أحني تلك الساق بسرعة – لأنها لا تطاوعني. كل ما هنالك أنني أعوّد نفسي على ذلك وأتدرّب على إمكانية الحركة في ظل انعدام الجاذبية. وتمثّل كل رحلة من رحلات انعدام الجاذبية فرصة للتعلّم”.
ويعتقد ماكفال أن ساقه الصناعية ربما كانت من التعقيد التقني على مستوى أعلى مما تتطلبه مثل هذه البيئة [من انعدام الجاذبية]، وأن ساقاً أبسط تقنياً من تلك قد تكون أفضل في مثل هذه البيئة.
وهذا بالضبط هو الهدف من هذه الدراسة التي تجريها وكالة الفضاء الأوروبية: معرفة ما يحتاجه شخص يعاني إعاقة جسدية لكي يقضي وقتا في الفضاء.
ويتساءل ماكفال: “هل يتعيّن عليّ أن أرتدي ساقا صناعية؟ وإذا ما فعلت ذلك، هل سيتعيّن عليّ الاستعانة بشيء حتى لا يختلّ جسدي؟ وهل سيكون في استطاعتي الجري في الفضاء؟ وهل سنضطر إلى تكييف بذلة فضائية من أجل السير في الفضاء؟ وإذا تعيّن علينا ذلك، فكيف سيكون الأمر؟ – هذه كلها أسئلة لا نملك لها أجوبة”.
ويدرك جون ماكفال جيدا أن إعاقته هي أمر خاص به، وأن عليه أن يأخذ ذلك في الاعتبار أنه عندما تنتهي الدراسة لن يكون لديه ضمان للحصول على بعثة للفضاء.
لكن السؤال، هل فتحت هذه الخبرة شهيّة جون ماكفال لمزيد من التجارب الفضائية، أم أنها جعلته يعيد النظر في أمر هذه الوظيفة الجديدة؟
وهنا يجيب ماكفال بابتسامة عريضة قائلا: “لقد جعلتني هذه الرحلة أكثر شبقاً إلى ارتياد الفضاء. إنها حقا تجربة رائعة”.